فتحـى محمـود

 يطل علينا العام الجديد والأمن القومى العربى يواجه تحديات غير مسبوقة، مع الصراع بين عدة مشروعات للسيطرة على المنطقة، أبرزها المشروع الإيرانى والتركى والأمريكى الإسرائيلى، وفي ظل غياب ملامح واضحة لأي مشروع عربى يستطيع مواجهة هذه التحديات. لكن التحركات التركية الأخيرة ومحاولتها السيطرة على موقع متقدم من مصر والسعودية عبر الهيمنة علي ميناء سواكن السوداني بالتوافق مع النظام السودانى برئاسة عمر البشير، توضح مدى خطورة محاولات الامتداد السريع للمشروع التركي فى المنطقة العربية، بالتنافس مع المشروع الإيراني الذى يفعل نفس الشىء.

فقد جاء الربيع العربى لتشجع تركيا الجماعات الإسلامية وعلى رأسها الإخوان التى تتوافق معها ايديولوجيا على استغلال الفرصة للسيطرة على الحكم، وكان الحلم التركى هو استثمار هذا التحالف فى فرض الهيمنة التركية على المنطقة العربية من خلال التلويح بوهم عودة الخلافة الإسلامية، وهو الحلم الذى تحطم على صخرة ثورة الشعب المصرى التى انضمت اليها القوات المسلحة فى 30 يونيو 2013 , وهذا ما يفسر مشاعر الكراهية الكبيرة التى يكنها أردوغان لمصر شعبا وجيشا وقيادة، وانتقل المشروع التركى إلى المرحلة الثانية باحتضان القيادات الإخوانية الهاربة وتوفير الدعم المالى والإعلامى والسياسى لها بالتحالف مع النظام القطرى، ودعم العمليات الإرهابية التى تقوم بها فى مصر، والتعاون مع الأنظمة التى سيطر عليها الإخوان مثل النظام السودانى. وذلك إلى جانب الدور الذى لعبته تركيا فى دعم تنظيم داعش والمجموعات المسلحة فى سوريا والعراق خلال السنوات الأخيرة. وجاء منح السودان تركيا حق تطوير وإدارة جزيرة «سواكن»، ليؤكد سعى المشروع التركى لمحاولة اختراق الأمن القومى المصرى والسعودى، حيث تمتلك الجزيرة موقعًا استراتيجيًا مهما.

أما المشروع الإيرانى فيعتمد على الوجود الشيعى فى بعض المناطق العربية مثل لبنان وسوريا واليمن والعراق، وتغذية هذه التجمعات بالمال والسلاح وتعزيز قوتها العسكرية والاقتصادية، لتهديد الأمن القومى العربى خاصة فى الخليج. ووفقا للمفكر والمؤرخ العراقى الدكتور احمد شاكر العلاق فقد استغلت إيران جملة من العوامل والظروف الدينية والسياسية والتاريخية والاقتصادية لتحقيق أهدافها، كما اتخذت من مناطق في آسيا الوسطى وشمال إفريقيا مراكز نفوذ لها وقواعد ارتكاز لتحقيق اختراقات في البلدان التي تم تحديدها لتكون هدفا لمشروعها، ومن الأقليات الشيعية في البلدان العربية حصان طروادة لمخططها؛ ومن معاداة أمريكا والكيان الصهيوني شعارا لها؛ ومن تقديم المعونات المادية والعسكرية لبعض الدول العربية والإفريقية الفقيرة مدخلا للنفوذ وقواعد انطلاق نحو الدول المستهدفة.

وقد قامت إيران بتأسيس سلسلة من المؤسسات والدوائر لتكون أجنحة لوزارة الخارجية لمساعدتها على تحقيق استراتيجيتها، ومن بين هذه المؤسسات: المستشاريات الثقافية الإيرانية، المجمع العالمي لأهل البيت، مجمع التقريب بين المذاهب ، منظمة التبليغ الإسلامي، المدارس الإيرانية في الخارج، الحوزات الدينية في الخارج، ممثليات مرشد الثورة في الخارج، مؤسسة جهاد البناء، لجنة الإمام الخميني الإغاثية، مركز حوار الحضارات.

وما بين المشروعين التركى والإيرانى، سيشهد العرب خلال العام الجديد أزمات ومصاعب عديدة، تمس الأمن القومى العربى، فى ظل غياب مشروع عربى يواجه هذه التحديات.

إبراهيم نافع

رحل الكاتب الصحفى الكبير إبراهيم نافع المؤسس الثالث لنهضة مؤسسة الأهرام بعد سليم وبشارة تقلا، ومحمد حسنين هيكل، والنقابى العتيد الذى خاض معركة الدفاع عن حرية الصحافة فى مواجهة قانون جائر اصدرته السلطة بين عشية وضحاها عام ١٩٩٥، وتولى عملية تحديث نقابة الصحفيين ليكون لها مبنى يليق بها، وأعاد اتحاد الصحفيين العرب إلى القاهرة.

موقف واحد حضرته مصادفة يوضح مدى حرص الراحل الكبير على الأهرام ومصداقيتها، عندما كان رئيسا لمجلس إدارة وتحرير الأهرام، وقت وزارة عاطف صدقى وقبل صدور قانون الإيجارات الجديدة، حيث كان هناك جدل كثير فى المجتمع حول موضوع إيجارات المساكن، وحصل زميلنا المسئول عن تغطية أخبار وزارة الإسكان على تصريح صحفى من الوزير يوضح أن الوزارة انتهت من إعداد قانون الإيجارات تمهيدا لاتخاذ إجراءات صدوره.

وتم نشر التصريح فى الصفحة الأولى للأهرام، وأدى إلى ردود فعل جماهيرية سلبية نتيجة حساسية الموضوع، فنفى الوزير أنه أدلى بهذا التصريح، وكنت فى مكتب الاستاذ نافع مصادفة عندما اتصل أحد الوزراء به يطلب منه نشر تكذيب لهذا الخبر لأن الوزير المسئول أكد أنه لم يدلى به.

وبهدوئه المعهود قال الأستاذ إبراهيم إن محررى الأهرام لا يكذبون والأهرام لا يكذب نفسه، وأنه مدام المحرر قد أكد صدور التصريح من الوزير فإن هذا يعنى أن التصريح صحيح وأن الوزير كاذب فى نفيه، وبالتالى لن ينشر أى تكذيب.

وتوالت الاتصالات الهاتفية متتابعة من بعض الوزراء تحاول إقناع الاستاذ نافع بنشر التكذيب لإنقاذ الموقف، وهو مصر على الرفض، وعلى التأكيد بأن المحرر صادق والوزير كاذب، وكان أخر المتصلين صفوت الشريف وزير الإعلام الذى حاول بكل الطرق إقناع الاستاذ إبراهيم بنشر التكذيب دون جدوى.

وبعد دقيقتين بالضبط اتصل عاطف صدقى بنفسه عبر تليفون خاص داخلى كان يربط مكتب رئيس تحرير الأهرام بمكتب رئيس الوزراء مباشرة، وكانت لهجة عاطف صدقى مختلفة، فلم يطلب نشر تكذيب، انما شرح تداعيات الموقف والآثار السلبية لما نشر، وقال إنه يضع الموقف بأكمله تحت عناية الاستاذ إبراهيم نافع ليتصرف فيه بما يراه مناسبا، هنا تهللت أسارير الأستاذ إبراهيم ورد على عاطف صدقى قائلا: مدمت لم تقل أن الأهرام كاذب، استطيع الآن معالجة الموقف الذى ورطكم فيه الوزير، وسننشر خبرا عن أن موضوع قانون الإيجارات مازال تحت الدراسة، وأنه سيتم إجراء حوار مجتمعى حوله قبل إصداره.

رحم الله إبراهيم نافع الكاتب الصحفى والنقابى الكبير، ومؤسس نهضة الأهرام الحديثة بعد الراحل الكبير هيكل.