&محمد الساعد

العلاقة الألمانية الإيرانية ليست وليدة عصر الغاز الذي يحدد في هذا الوقت العلاقة بين أطراف عديدة في منطقة الشرق الأوسط والعالم ويقيس مسافات القرب والبعد والخصومة والتآمر.

بكل تأكيد تعاظمت أهمية إيران لدى الألمان بسبب اكتشاف حقول الغاز الضخمة المشتركة بينها وبين قطر، لكن هناك ألف حكاية وحكاية قبل «الغاز» تفسر هذا الهوى الألماني تجاه طهران وملاليها، فالألمان والإيرانيون كما تؤكد دراسات علم الوراثة والأصول الإنسانية ينتميون لنفس العرق الآري، بل إن الإيرانيين يعتقدون جزما أنهم هم أصول الألمان الذين هاجروا من أواسط آسيا ليستقروا في أوروبا.

يقول المؤلف ماتياس كونتزيل في كتابه «الألمان وإيران.. تاريخ علاقة مصيرية»، الذي قدم له عرضا أمير طاهري في صحيفة الشرق الأوسط: لقد ظل الإيرانيون ينظرون إلى أنفسهم بوصفهم ورثة الهوية الآرية، الأمر الذي تؤكده النقوش السفلى التي يرجعها تاريخها إلى أكثر من 2500 عام مضت، حين وصف داريوس، ملك ملوك الأخمينيين، نفسه بأنه «آري وابن آري». كما أن اسم البلاد، إيران، يعني «أرض الآريين»، بينما يرجع تاريخ فكرة أن الألمان من أصل آري إلى القرن التاسع عشر، وظهور فكرة القومية في أوروبا. ومن هنا ادعى كتّاب، مثل شليغل وهردر، أن الألمان انحدروا من قبائل الأور الآرية، التي يرجع أصلها إلى مكان ما في قارة آسيا، ثم انفصلوا إلى جماعات عدة، قبل أن يتجهوا إلى الهند، وإيران، ووسط أوروبا (عقب ذلك بكثير، ادعى الآيرلنديون أيضا أن أصولهم آرية، وقاموا بتسمية جمهوريتهم المؤسسة حديثا باسم جمهورية آيرلندا، التي تعني أرض الآريين).

يبدو أن الألمان اعتبروا أنفسهم ليسوا أوصياء على العرق الآري الذي يمثله الإيرانيون فقط بل وحتى على ثرواتهم الطبيعية ومكانتهم في الإقليم والعالم كما يحدث اليوم.

لقد قادت ألمانيا من خلال مجموعة 5+1 مفاوضات طويلة لصالح إيران خلال فترة الرئيس باراك أوباما حتى توصلت للاتفاق النووي الذي ضمن للإيرانيين الحصول على التكنولوجيا النووية وسمح لها بالتمدد في الإقليم إضافة الى تعويمها دوليا وتسهيل حصولها على مئات مليارات من الدولارات كانت مجمدة في المصارف الغربية.

ألمانيا طوال تاريخها كانت مقربة من الأعراق «الأعجمية» الواقعة على تخوم العالم العربي فارتبطت بعلاقات مميزة مع الأتراك والإيرانيين بل كانوا حلفاء لها في الحربين العالميتين الأولى والثانية بينما كان العرب في معظمهم حلفاء للإنجليز الفرنسيين ثم انتقلت تلك التحالفات للأمريكان والروس.

ذلك كان توطئة لفهم المشهد الحالي في المنطقة وإعادة التموضع الجيوسياسي، فاللاعبون على مستوى الإقليم أصبحوا متعددين والعلاقة معهم شائكة وخطرة، الألمان يرون أنه قد حان الوقت لخروجهم من أوروبا العجوز وأن حصتهم تبدأ من إيران، والإنجليز يرون أن مشيخات الخليج هي إرثهم القديم من الكويت وحتى سلطنة عمان وأخيرا اليمن وأي اقتراب منها يعني استفزازا للإمبراطورية البريطانية، والفرنسيون فرحون ببقائهم إلى حد ما في لبنان بجوار النفوذ الإيراني، أما سورية فهي مقسمة بين روسيا وتركيا وإيران.

فماذا ستسفر عنه لعبة الأمم في هذه المنطقة من العالم؟ الأجواء تشبه إلى حد كبير مواقف الدول المتخاصمة في فترة الحربين العالميتين الأولى والثانية، الأمر الذي سيبقي الشرق الأوسط في حالة تنازع شديدة الخطورة في انتظار أول فرصة للانقضاض وتحقيق المكاسب.

مع ذلك كله يجب ألّا ننسى أن هناك خطين أحمرين لا يمكن تجاوزهما على الأقل في المرحلة الحالية من التنازع، أولا.. خط الغاز الذي لن تسمح روسيا بإنشائه لحساب ألمانيا مهما كان الثمن، ثانيا.. خط البترول الذي لا يمكن أن تقبل أمريكا باغتياله لصالح خصوم الرياض مربكا الاقتصاد الدولي ومنهيا دورته المالية، إضافة إلى ذلك فإن واشنطن وموسكو لن تسمحا مجتمعتين لألمانيا وفرنسا بتفكيك التوازنات الحالية لصالح «جنون الغاز» الذي تؤمن برلين أنه الرافعة التي ستعيدها إلى قوة حقيقية في عالم استعصى عليها بعد هزيمتها الساحقة في الحرب العالمية الثانية وبقائها تحت الوصاية.

&