&نايف معلا&

ينتظر الكثيرون بكل شغف ما سينتهي إليه الكونغرس والاستخبارات الأمريكية (CIA) في قضية مقتل جمال خاشقجي، رحمه الله، وليس كل أولئك المنتظرين سواء، فالمبغض للسعودية المُغرض لها يود أن يخلص الأميركيون إلى إدانة السعودية وفرض عقوباتٍ عليها، بخلاف المُحب أو العاقل أياً كان، الذي ينتظر قراراً منصفاً يؤيد الإجراءات التي اتخذتها السعودية في هذه القضية، وما دفعه إلى ذلك إلا يقينه بأن أي تقويض لأمن واستقرار السعودية واقتصادها، هو في الوقت ذاته تقويض للأمن والسلم الدوليين، والاقتصاد العالمي. وعلى رغم أنهما ضدان في هذا الانتظار، إلا أنهما اشتركا في الغفلة عن حقيقة يسندها التاريخ وأحداثه، وهي أن هذه الحسابات غير واردة لدى السعوديين الذين يؤمنون إيماناً راسخاً بأنهم تحت رحمة ربهم، وليس رحمة الكونغرس ولا الاستخبارات الأميركية، ولا حتى إدارة ترامب!

هذا الكلام ليس مجرد كلامٍ أدبيٍ لا مقام له في الحسابات السياسية، بل يعبّر عن قيمٍ ومُثلٍ من شأنها إعادة الحسابات السياسية عند التعامل مع السعودية! ألم تكن الولايات المتحدة عظمى عند ما قام الملك فيصل –رحمه الله– بكل شجاعة على حظر تصدير النفط لأمريكا؟! ألم تكن عظمى عندما وجه الملك عبدالله بن عبدالعزيز –رحمه الله– قوات درع الجزيرة بدخول البحرين لحفظ أمنها واستقرارها من عصابات الملالي على رغم المعارضة الأمريكية؟! أليست عظمى عندما عارضت السعودية بقيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز اعتراف أميركا بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وأكدت أن هذه الخطوة لن تغير أو تمس الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني ولن تتمكن من فرض واقعٍ جديد، على رغم المستوى المتقدم الذي بلغته العلاقة بين البلدين؟!

على ماذا يعوّل هؤلاء؟ سؤال يدور في خلد الكثيرين ومنهم من تفوّه به صراحة! هؤلاء الذين هم نحن، نعوّل على إيماننا الراسخ بالله سبحانه وتعالى، ثم بعدالة مواقفنا وإرادتنا وتلاحمنا في السراء والضراء. قامت دولتنا على قيم ومبادئ لا حيدة عنها، سنامها العدل الذي هو أساس الملك (يقوم الحكم في المملكة العربية السعودية على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية – المادة 8 من النظام الأساسي للحكم)، وعلى استقلال قضائها (القضاء سلطة مستقلة، ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية - المادة (46) من النظام الأساسي للحكم)، وعلى حماية حقوق الإنسان (تحمي الدولة حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية – المادة 26 من النظام الأساسي للحكم)، وغيرها من المبادئ والقيم الراسخة التي بوجودها، ووجود سلطاتٍ ثلاث تُعملها إعمالاً تاماً لا منقوصاً، يستطيع أي إنسان يتحرى العدالة أن يطمئن إلى الإجراءات التي اتخذتها وستتخذها السعودية حيال قضية مواطنها جمال خاشقجي. أما أولئك الذين نحوا بهذه القضية الإنسانية إلى مواطن التسييس والأدلجة للنيل من السعودية وقادتها، فالواقع سيأخذ على عاتقه إقناعهم بعبث محاولاتهم البائسة، فلندعهم في غيهم يعمهون! كأنما الغرب وفي مقدمتهم الولايات المتحدة تسعى إلى تحويل قضية فردٍ جنائية، اُتخذت بشأنها الإجراءات القانونية اللازمة من قبل الدولة ذات الاختصاص الأصيل إلى قضية من قضايا تقرير المصير (Self-determination )؟ هنا مربط الفرس، وهو ما يجعلني أرى أن مجرد انتظار ما سيخلص إليه الأميركيون وغيرهم من الدول الغربية في شأن هذه القضية، يتضمن شيئاً من الإقرار لهم بأحقيتهم في تقرير مصيرنا!


إن التدابير التي اتخذتها السعودية صحيحة ومُحقة وفقاً لجميع القوانين والأعراف الدولية، وأن أي تدخل في هذه التدابير هو تدخل في الشؤون التي هي من صميم السلطان الداخلي للسعودية (ليس في هذا الميثاق ما يسوغ «للأمم المتحدة» أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي ‏لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق، على أن ‏هذا المبدأ لا يخلّ بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع – المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة 1945).

&
&