عبداللطيف الضويحي

‏مضى أكثر من عامين على إطلاق رؤية المملكة 2030، وهذا وقت مناسب للنظر إلى ما تحقق منذ تلك الانطلاقة. هناك الكثير من الجهد الذي قام به القائمون على هذا المشروع الطموح ليس فقط من حيث مداه المستقبلي، ولكن من حيث الإرث الكبير الذي ورثناه غثاً وسميناً الذي يتطلب الكثير من الفحص والتمحيص والدراسة والمراجعة.

حسب ظني لم تقم جهة باستطلاع الرأي لمعرفة نسبة من وصلتهم فكرة الرؤية من المواطنين والمقيمين ومن هم ولماذا، لعل ذلك يكون قريبا. لكن الرؤية أنتجت شعورا خليطا بين الترحيب والتساؤل منذ البداية، فقد شعر البعض بهزة خفيفة على مقياس الوعي العام، ما لبثت هذه الهزة أن اتسعت رقعتها شيئا فشيئا وازدادت وتيرتها وقوتها حتى ساد شعور عام بالتفاؤل، ما عدا بعض الفئات التي لا تزال تجهل فلسفة الرؤية أو تضررت مصالحها، لسبب أو لآخر.

الرؤية هي إيجاد مرجعية ديناميكية مباشرة لعمليات التنمية تتجاوز المرجعيات البيروقراطية وتجتاز المرجعيات المجتمعية التقليدية، وذلك من خلال تشكيل فرق عمل للتغيير، أقدامها في الأرض وعيونها في السماء، وأيديهم مروحة رأسية وأفقية بين الأرض والسماء إيقاعها متصاعد، متناغم، ومستمر.

الرؤية أن يعرف كل فرد بدون استثناء حقوقه وواجباته بوضوح وشفافية وأن يمارس دوره بكامل حريته وبأقصى درجات الأخذ والعطاء حسب قدراته الطبيعية وجهوده الذاتية دون نقص أو زيادة أو استثناءات.

والرؤية أن تعرف كل مؤسسة حكومية أو غير حكومية دورها العام المباشر وغير المباشر، وأن تؤدي دورها بأوسع أفق وبأعلى درجات الأداء حسب الأهداف والموارد والوقت.

‏الرؤية أن تتوسع في تأسيس علاقات مهنية بين أفراد المجتمع على حساب الكثير من العلاقات الاجتماعية غير الصحية، وأن ترمم الصحيح من العلاقات الاجتماعية وأن تعمقها وأن تستثمر بها تنمويا لصالح الفرد والوطن. فلا بد من توطيد العلاقات الأسرية والعلاقات الاجتماعية والعلاقات المهنية والعلاقات العلمية على أسس متينة وفي ضوء المستجدات من تشريعات ومعطيات تقنية.

الرؤية أن تستمر بإزالة الأورام الاجتماعية والاقتصادية من جسم وعقل وقلب المجتمع والوطن عن طريق الوقاية والعلاج، سواء ارتدت تلك الأمراض الاجتماعية والاقتصادية عناوين الفساد أو الهدر أو البيروقراطية أو التقليدية أو الفقر أو عناوين أخرى مستترة بأشكال وأساليب أخرى.

الرؤية أن يعرف المعلم والمعلمة والطالب والطالبة لماذا الرياضيات والفيزياء والكيمياء والأحياء، وأن يعرف كل هؤلاء لماذا يدرس اللغة العربية واللغات الأجنبية، وما دور كل ذلك بما هو مطلوب من كل منهم حسب قدراته وجهوده. وأن يعرف كل هؤلاء وغيرهم أهمية إزالة السور بين المدرسة والمجتمع وأهمية إزالة السور بين الجامعة وعمليات التنمية. وأن تلعب جامعات المناطق الدينمو المحرك لتنمية كل منطقة بإعداد الكوادر البشرية ورسم هوية كل منطقة اقتصاديا من خلال الدراسات ووضع الخطط ومشاركة صانع القرار في المنطقة وضع السياسات التنموية ووضع سياسة تصنيعية حسب الموارد الطبيعية لكل منطقة.

الرؤية أن تقدم الصحة ثقافة الوقاية وثقافة الغذاء على ثقافة العلاج وفحص سوء أو نقص التغذية ونقص الفيتامينات بين الطلاب والطلبة، وأن تتحول قطاعات الصحة ومدن المملكة الصحية من اللهاث خلف غاية توفير سرير للمريض، إلى أن تصبح الرياض أو جدة عاصمة الطب في المنطقة العربية، وأن تكون الخدمات الصحية الطبية لدول المنطقة ثاني أو ثالث أو حتى رابع دخل من مداخيل المملكة بعد النفط وغيره.

الرؤية أن تكون كل مدينة من مدن المملكة أو أغلبها عاصمة عربية في الثقافة أو العلوم أو الصحة أو الصناعة أو التعليم أو السياحة... إلخ.

الرؤية أن يرى ويسمع الجميعُ الجميع، وأن يشعر الجميع بالجميع ليس حاضرا فحسب وإنما مستقبلا كذلك. الرؤية أن يتكلم الجميع لغة الجميع. الرؤية أن يتدفق الدم في كافة شرايين الوطن ومدنه وقراه وأريافه ومصانعه وحدائقه وشوارعه وبناه التحتية دونما استثناء.

الرؤية أن تستقطب المملكة العلماء العرب وغير العرب بمشروع علمي تسخر له الإمكانات ويعطى الصلاحيات ليمكننا من أن نرى بالأشعة تحت الحمراء، فحجم مشروع المملكة من خلال الرؤية 2030 وما بعد الرؤية 2030 بالضرورة يتطلب مشروعا علميا متكاملا من الفلكيين وخبراء الرياضيات والفيزيائيين والكيميائيين والأحيائيين والجيولوجيين والأنثروبولوجيين والفلاسفة.

وهذا يتطلب توسيع أدوات الرؤية وتزويدها بنظارات ليلية تتجاوز الرؤية بضوء الشمس وكل مصادر الضوء المتعارف عليها إلى مصادر الطاقة البديلة وبالأشعة تحت الحمراء حيث تنعدم كافة مصادر الضوء.

أبارك كل ما تحقق حتى الآن من الرؤية، على أن تتم مراجعة كل ما تحقق وما لم يتحقق، علنا أن نصل برؤية المملكة إلى عام 2030، بل علنا أن نصل برؤيتنا إلى زمن عربي قريب.