&عبدالله بشارة&&&

بكلمات قصيرة، أشير إلى حياة الكويت، من أرض فضاء إلى دولة تحمل المنصة الإنسانية، وإلى الجسارة التي أنجزت هذه الرواية.
أولاً – بقاء الكويت من يومها الأول يرتكز على صحة وقوة نظامها السياسي، في تداخل لا ينفصل مع المواطن، مبني على ثقة الناس بنزاهة هذا النظام، وارتياح الناس لقيادته، واطمئنانهم لعدالته، هكذا كانت الكويت في الفصل الأول من صباح الأول إلى مبارك الكبير، وصولاً إلى يومنا هذا، مع تطورات استجابت فيها الكويت إلى املاءات التاريخ ومقام المسؤولية.


ثانياً – تولت الأسرة قيادة الكويت منذ ثلاثة قرون، تميّزت هذه القيادة برجاحة العقل وعفة الضمير في فقرها وفي ثرائها، لم يتذمّر حاكم من قسوة الفقر ولم يتبدل حاكم من اغراءات الثراء، كان الحاكم دائماً في الصف الأول عند الأزمات، يذود فيها بقدر الامكان، ويتسلّح بأخلاقيات الملتزم في الصف الأول بالتضحية، حفاظاً على العهد المبرم مع أهل الكويت الذين اختاروه من بين الآخرين، أميناً وملتزماً.
ثالثاً – ظلت الشراكة المفتوحة بين المواطن والحاكم لم تغلق الأبواب في الجفاف ولا في فيضان النعم، وتوثقت الروابط بمصاهرات وشراكة وتسهيلات مالية عند الشدة وثقة بعودتها عند اليسر، وشيد أهل الكويت عبر التعاون بين المسؤول والمواطن نظاماً مالياً فريداً، كان الحاكم فيه وزيراً للمال ووزيراً للتموين وأيضاً مسؤولاً عن المحاسبة، مثل ديوان المحاسبة في هذا اليوم.
رابعاً – كانت مشقّة الحياة منبعاً للابتكار، وكان عذاب الحاجة مصدر الجرأة والمبادرة، فاتجه أهل الكويت إلى البحر، لم يذهبوا حيث الماء والزراعة واتساع الجغرافيا شمالاً، وإنما اختاروا الأصعب نحو الجنوب، في مواجهة اقتحامية مع البحر وغموضه، غوصاً بحثاً عن اللؤلؤ، وتجارة على أمواج المحيط الهندي، غرباً مع أفريقيا، وشرقاً مع آسيا، وغيرها من جزر المحيط.
وسادت القناعة حياة الكويت من خلال شبكة العلاقات الوطنية، الحاكم شريكاً ممولاً أحياناً، والتاجر يجمع بضاعته، والنوخذة مع بحارته في البوم، على أمل عودة ليست مضمونة دائماً، كل ذلك اعتماداً على ثقة تلقائية متجذرة في أمانة النفوس، فالكل سيأخذ حقه عند العودة.
خامساً – كان الشيخ مبارك الصباح، الحاكم السابع، مدركاً لواقع الاقليم، متسلّحاً بالحذر ومالكاً للوعي الأمني، ومتخوّفاً من أثقال الجغرافيا، مع تحرّشات الدولة العثمانية، ومناكفات قبلية، وتساؤلات عن هوية الكويت ونظامها، فانفتحت شهية الطامعين بعد تفوق الكويتيين على العدمية الحياتية التي التصقت بترابهم، فاتجه الحاكم الجريء إلى الحماية مع بريطانيا العظمى لتأمين سلامة الكويت والحفاظ على هويتها وشخصيتها المميزة.
سادساً – كانت رسالة الشيخ مبارك الكبير لذريته هي تأكيد الحماية والحافظ عليها تحاشياً للأطماع مع تقوية الترابط مع دولة الحماية التي أحاطت الكويت بأمن وسلام، وهيّأت لأهلها الجسارة البحرية للوصول إلى أبعد المناطق، الأمر الذي رسم خريطة لتراث تجاري شكّل مثلث التجارة البحرية رأسه في الخليج وذراعه الأيمن في سواحل أفريقيا والأيسر على تراب القارة الهندية.


سابعاً – عشنا بسلام مع الحماية وعاش أجدادنا باطمئنان بأن ظهرهم مسنود، فازدهرت تجارتهم وشكّلوا مجتمعاً كويتياً صغيراً في الهند والبصرة، وفي عدن وقليلاً منها في زنجبار، في وقت شهد تطوراً واسعاً في الأسطول البحري، وانبعاثاً فريداً في الهمة، ما أدى إلى اتساع في السكان من هجرات مجاورة ومن أراضي الجنوب، جاءت بقناعة من الاستقرار والأمل الواعد.
ثامناً – تعامل حكام الكويت وأبناء الأسرة بأمانة متقنة مع وصايا مبارك الكبير، فصاغوا نظاماً أخلاقياً دبلوماسياً للعلاقات مع العراق، الذي كان يطل على نافذة الكويت البحرية بشيء من الشهية الجغرافية التوسعية، فرفضوا بشدة تلك الأطماع وأظهروا حسن المودة وطيب المعشر وجمال التفاهم مع القيادات العراقية بعد استقلال العراق، وأسسوا وصفة للتعامل مع العراق تجمع بين الأدب الجم مع صلابة في الإيمان بالحق، فكانوا رجالاً موضع ثقة وأهلاً للمسؤولية.
تاسعاً – كان دخول الكويت إلى الجامعة العربية مع الاستقلال إيجابياً لكنه بشروط، ودعت فيها الكويت الحماية التاريخية، واستندت إلى المحتوى الأخلاقي السياسي لدول الجامعة العربية، فتبنى أبناء الأسرة القياديون إطاراً أخلاقياً مثالياً للتعامل مع قضايا العرب، أبرزها الوفاء لشروط الانضمام، وكانت السنوات من 1961 ـــــ 1990 كلها معاناة هموم لصد الأطماع، من أجل البقاء في الكيان المتوارث.


عاشراً – جاء الغزو بسبب التزام الكويت الحرفي الجاف برفض التعاطي مع الدول الكبرى التي وفّرت الحماية والدعم سابقاً، واستغل صدام حسين هذا المنحى الأخلاقي ليغزو الكويت، ونتّجه جميعاً، في ضوء هذه الخيانة، إلى تجديد الالتزام بوحي من رجل الدهاء السياسي الشيخ مبارك الصباح، فالكويت لا تقدر بمفردها على صد الأطماع، وبحاجة إلى شريك، فكان مجلس التعاون بديلاً مع دور بارز للمملكة العربية السعودية في تعاضدية أبدية، بالإضافة إلى تفاهم مع الحليف الاستراتيجي مرتكزاً على لقاء المصالح ووحدة المنظور.
وعدنا إلى الأجواء المسالمة التي أخذتنا إلى سواحل أفريقيا وإلى الهند، مرتاحين لاستمرار الأمن، وانسجم قائد الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح مع هذا المنحى المؤتمن الذي يشكّل ردعاً يضاف إلى الوهج الأخلاقي في دبلوماسية الكويت، لا سيما مع الدول العربية الأعضاء في الجامعة، بلا استثناء، الدول المعاندة والدول المحايدة، وحوّلها سمو الأمير جميعاً إلى دول مساندة.
هذه رواية الكويت التاريخية المبهرة، فمن لا شيء وكيان بلا عون من الطبيعة، سوى عزم المتواجدين ومؤازرة حاكمهم الذي كان شريكاً لهم بالأمل والإرادة.
أرضنا التي كانت ناشفة تستضيف ثلاثة ملايين قادمين، محمولين بالثقة بهذه الأرض الطيبة وباليقين بأن حياتهم آمنة وواعدة.
نهنِّئ سمو الأمير وأهل الكويت؛ فآفاق المستقبل تختزن الكثير من تقدّم، فيه إنجازات، وفيه أمن وسلام..

&