الحبيب الأسود

تونس وهي ترحب بزيارة خادم الحرمين الشريفين، تنظر بعين الإعجاب إلى الثورة الهادئة التي يقودها الملك سلمان ويقف في صدارة واجهتها السياسية والثقافية، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

علاقات زاخرة بالمواقف الأخوية المشرّفة

تستعد تونس لاحتضان القمة العربية الثلاثين التي ينتظر أن تكون استثنائية من حيث عدد القادة والزعماء الذين سيحضرون فعالياتها، والذين سيكون من دوافع حضورهم المكثف، حضور العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز شخصيا، ليس فقط لتسليم رئاسة الدورة إلى الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، ولكن لأداء زيارة رسمية مطوّلة إلى الجمهورية التونسية، ستمثّل بكل المقاييس حدثا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وستوطد الصلات الأخوية بين الأشقاء في البلدين، كما ستوجّه رسالة مضمونة الوصول إلى من يهمّه الأمر، بأن تونس غير قابلة للخروج من تحالف الاعتدال، ومن دائرة التواصل التاريخي من أشقائها ضمن سياساتها المتوازنة التي كانت على الدوام في صفّ العرب والعروبة، وضد أي مساس بمقدرات الأمة وبأمنها القومي وتطلّعات شعوبها للتطوّر والرقيّ في ظل الأمن والاستقرار ووحدة الموقف والمصير.

إن تونس وهي ترحب بزيارة خادم الحرمين الشريفين، تنظر بعين الإعجاب إلى الثورة الهادئة التي يقودها الملك سلمان ويقف في صدارة واجهتها السياسية والثقافية، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بما ينجزه ويخطط له ويعدّ به من إصلاحات في كل المجالات، ومن انفتاح على العصر وعلى العالم، ومن إنجازات من شأنها أن ترتقي بالمملكة إلى مصافّ الدول المتقدمة، وأن تنعكس بالإيجاب على المنطقة العربية التي كانت تنتظر مثل هذه الانطلاقة المذهلة من المارد السعودي العملاق، صاحب الإمكانات المادية والبشرية الضخمة، والتأثير الروحي والثقافي الفعال، والموقع الجغرافي المتمدد في قلب العالم، والقدرة المذهلة على قلب الموازين بالعزم والحزم والرؤية والثبات.

كما أن تونس تدرك جيدا ما للملكة من دور أصيل وفاعل في الحفاظ على الأمن والاستقرار، وفي تحصين التضامن العربي، وفي الخروج بالمنطقة من بقايا عاصفة الفوضى والفتنة التي عرفتها خلال الأعوام الماضية، وفي حمايتها من المخاطر المُحدقة بالعرب، وعلى رأسها الإرهاب ومن يدعمه ويقف وراءه ويدير خيوطه، والأطماع الفارسية والتركية، التي تتغذّى من خيانات الداخل العربي لتجدد نفسها على صهوة تاريخ إمبراطوري عنصري مديد من معاداة العروبة ومن التدخل في شؤون العرب، ومن العمل على عرقلة كل مشروع قومي حقيقي يهدف إلى النهوض بالأمة.

لقد عرفت العلاقات التونسية السعودية محطات مهمة ترجع إلى ما قبل استقلال تونس عندما استقبل الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمان آل سعود، الزعيم الحبيب بورقيبة وعددا من مرافقيه سواء في العام 1948 أو في العام 1951، وقدّم لهم الدعم السخي بما تسمح به إمكانيات الدولة الوليدة آنذاك، والدعم السياسي، إلى جانب المشورة حيث كان الملك عبدالعزيز أول من أشار على بورقيبة باعتماد سياسة المراحل في قيادة معركة التحرير ثم في بناء الدولة، وهي السياسة التي باتت لاحقا من أبرز وأهم مقومات الفكر البورقيبي الذي لا يزال فاعلا في المشهد السياسي والاجتماعي التونسي رغم كل محاولات العصف به.

يعتبر وجود الملك سلمان، سواء في القمة، أو في زيارته إلى تونس، فألا طيّبا للتونسيين الذين لا يستطيعون الخروج عن عروبتهم وعن قيمهم الحضارية، كما لا يمكن أن يكونوا إلا في صفّ الاعتدال والوسطية

ومنذ استقلال تونس عام 1956، لا تزال العلاقات بين البلدين قوية ووطيدة وعميقة، وزاخرة بالمواقف الأخوية المشرّفة، وهو ما يدركه جيدا الملك سلمان، القائد المتعمق في التاريخ والمبحر في الثقافة، وحامل ذكريات الآباء والأجداد، والعارف بأقدار الرجال والشعوب والدول، والذي يرتبط مع الرئيس قائد السبسي بعلاقات أخوية، أدركها الأمير محمد بن سلمان جيدا في مناسبتين: الأولى في المملكة عندما قال للسبسي “اعتبرني فردا من فريق عملك”، والثاني في تونس عندما قال عنه “هذا والدي”.

ولا شك أن الرئيس الباجي قائد السبسي الذي قضى أكثر من 60 عاما من عمره في صدارة الفعل السياسي وفي كواليسه، يدرك جيدا طبيعة التحوّل الكبير الذي تشهده المملكة العربية السعودية من الداخل، والذي يهيئ لمرحلة جديدة من التاريخ العربي والإسلامي والدولي، كما يدرك أن التحالف العربي القائم حاليا والذي تقف في صدارته المملكة ومصر والإمارات، وعدد من الدول الأخرى المعتدلة، هو الذي سينتصر في النهاية على كل المتآمرين عليه والمتربّصين به والمشككين فيه، ومن يدفعون بسخاء للمساس بتماسكه أو لتشويه ثوابته وأهدافه، كما أن أغلب العاملين في السياسة أو المهتمين بها، باتوا على قناعة بأن لا صف يعلو حاضرا أو مستقبلا على صف الاعتدال والعقلانية، حتى وإن علت أحيانا بعض الأصوات الناشزة المدفوعة بحقد الأيديولوجيات وبغباء الحسابات الضيقة.

ومن هذا المنطلق وغيره لا يمكن لتونس، على الأقل حاليا، إلا أن تكون مع أشقائها، خصوصا وأنها تحتضن الدورة الثلاثين لمؤتمر الجامعة العربية في مستوى القمة، وهي دورة مطالبة بأن تكون حاسمة في اتخاذ القرارات الكبرى سواء في ما يتعلق بعروبة القدس والجولان، أو بمواجهة الإرهاب والتطرّف والقوى الدافعة إليه والداعمة له، أو بالعمل على حل الأزمتين الليبية والسورية وتحصين عروبة اليمن، أو بالتصدي الإطماع الأجنبية وبالذات الإقليمية منها، أو بالتكامل السياسي والتعاون الاقتصادي، وعلى رأس كل هذا الملفات ملف الأمن القومي العربي، واتخاذ كل القرارات الكفيلة بحمايته.

ويعتبر وجود الملك سلمان، سواء في القمة، أو في زيارته إلى تونس، فألا طيّبا للتونسيين الذين لا يستطيعون الخروج عن عروبتهم وعن قيمهم الحضارية، كما لا يمكن أن يكونوا إلا في صفّ الاعتدال والوسطية، وضمن المصطفّين للدفاع عن الأمن القومي العربي، والرافضين لكل محاولات عزلهم عن أمّتهم أو الدفع بهم إلى أجندات تآمرية.

&

&