&عبدالله بن بخيت

&

&مثّل بعض الحيوانات رموزاً إنسانية تعبر عما يراه الإنسان في نفسه ويراه في الآخرين. فالأسد مثال للشجاعة والبطولة والعفة وعزة النفس ولا يقل الذئب كثيراً عن ذلك، كما مثل بعض الحيوانات الأخرى رموزاً لمختلف صنوف الحياة، فالكلب صار رمزاً للوفاء أو الذلة، والحية مثلت الغدر، والحمار صار مضرب مثل للغباء.. إلخ. بالعودة إلى الطبيعة سنكتشف أن الحيوان لا يعلم أي شيء عن هذه الخصائص. فالأسد لا يدري أي شيء عن العفة، بتتبع حياته سنرى أنه يأكل الجيف وتنتابه المخاوف والذلة إذا لزم الأمر ويقتل أطفال الأسود الآخرين دون رحمة والأهم أن الأسد المحبوس في حديقة الحيوان لا يتطلع للحرية كما نظن، هدف الأسد الأسمى الطعام والتزاوج والنوم، لا يطمع في المجد والسؤدد ولا علاقة له بشيء اسمه بطولة.

يبدو أن من طبيعة الإنسان الإسباغ خصوصاً إذا افتقد المعلومة الصحيحة، لعل عملية الإسباغ طريقة من الطرق التي يحاول بها الإنسان فهم العالم وإكسابه معنى يفهمه بصرف النظر عن الحقيقة.

في الخمسين سنة الماضية تم الترويج في عالمنا الإسلامي أن الصراع العالمي الدائر بين الدول والشعوب ليس سوى حلقة من سلسلة الحروب القديمة التي شكل الدين أساسها (المعلن). كثير منا على قناعة أننا في حالة حرب مع الغرب، يعود السبب أن الغرب يتآمر على ديننا،&فالغرب ينوى تخريب عقيدتنا، الغرب يريد إفساد نسائنا، الغرب سبب بعدنا عن ديننا.. إلخ.

هذا النمط من التفكير نوع أصيل من أنواع التفكير الإسباغي إذا جاز التعبير، كثير من الدعاة يرى ويرغب أن يكون التنافس الإنساني أساسه صراعاً دينياً، يعكس نظرته للحياة تطلعاته على الآخرين. فهو يرى ويتمنى أن يسود الإسلام، وبالتالي ما يفعله الغرب من حروب ودعاية وسيطرة وفرض قوانين معينة ليس سوى محاولة غربية لنشر النصرانية، فطالما أعلن هذا الداعية وذاك الحرب الدينية على الآخرين فلا بدّ أن حرب الآخرين هي أيضاً حرب دينية.

عندما نقرأ التاريخ بطريقة علمية فلن نجد حرباً من حروب الماضي اندلعت بأسباب دينية، الحروب الصليبية على ديار المسلمين على سبيل المثال ظاهرها صليبي ديني وباطنها اقتصادي استعماري توسعي، لكن رجل الدين من الطرفين المتحاربين لا يعرف أنه ترس&في عجلة تدور لمصلحة آخرين. آخر شيء يفكر فيه المصارعون الحقيقيون هو الدين نفسه.

لا يمكن للمرء حتى على المستوى الشخصي أن يحقق نجاحاً في صراعه مع الآخرين إذا أسبغ على الآخرين ما يظنه وما يتمناه وطريقة رؤيته للعالم.