& عبدالحق عزوزي

&افتتح مؤخراً بالرباط معرض «الحضور المسيحي بالمغرب: العيش المشترك»، ويتزامن هذا المعرض، الذي تنظمه «مؤسسة أرشيف المغرب» بالشراكة مع «مجلس الجالية المغربية بالخارج» تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس، مع زيارة البابا فرانسيس إلى المغرب، بعد الزيارة التاريخية التي قام بها البابا يوحنا بولس الثاني سنة 1985. ولا جرم أن هذا المعرض يسعى للخوض في فصول غير معروفة عند البعض من تاريخ مشترك يتسم ببصمة قوية لقيم السلام والتعايش، ويبرز التساكن المتميز والعلاقات الطيبة التي جمعت المغاربة والمسيحيين، ودأب على ترسيخها سلاطين الدولة المغربية منذ قرون، لذا كان طبيعياً أن يقوم المعرض بدعوة زواره لـ«سفر عبر الزمن» منذ عهد الموحدين، في القرنين الـ12 والـ13 الميلاديين، بشكل يوفر فرصة استكشاف جانب من تاريخ المملكة من خلال مجموعة غير منشورة من الوثائق والظهائر والصور.

‏ ونجد الأستاذ عبد الله بوصوف، الوطني الغيور، وهو الأمين العام لمجلس الجالية، في افتتاح المعرض يؤكد أن الحدث يتزامن مع سياق دولي سمته التوتر والهجمات الإرهابية، آخرها هجوم نيوزيلندا الإرهابي، كما يأتي أسبوعاً قبل زيارة البابا فرانسيس إلى المغرب تحت شعار الأمل، وهو الأمل نفسه في غد أفضل كما جسدته مظاهر تضامن مئات الآلاف من المسيحيين في نيوزيلندا مع المسلمين ضحايا الهجوم الإرهابي. ولا يجب أن ننسى أن اختيار المغرب للتعدد الثقافي والديني والعيش المشترك بين جميع مكونات مجتمعه، لم يفرضه سياق سياسي معين، لكنه خيار متجذر في المجتمع المغربي منذ القدم ويرتوي من النموذج الإسلامي المغربي الذي يقوم على الوسطية والاحترام المتبادل، وتؤطره إمارة المؤمنين التي تحفظ الحرية الدينية للجميع.


ويكفي هنا أن أذكِّر بسابقة وقعت في تاريخ المغرب، أشهراً قبل استقلاله، إذ في فاتح ديسمبر 1955، بعد أسبوعين من عودة المغفور له محمد الخامس من المنفى وبضعة أشهر قبل استقلال المغرب، شهد القصر الملكي احتفالا فريداً من نوعه، حيث ترأس العاهل العائد لتوه من المنفى مراسيم توشيح المونسينيور أميدي لوفيفر، عرفاناً بجهده في إقرار التفاهم بين المغاربة والفرنسيين أثناء الأزمة الحادة التي طبعت الفترة الأخيرة من العهد الاستعماري. وحرص محمد الخامس على أن يولي الأسبقية لتلك البادرة في جدوله الزمني، وهو منهمك في تشكيل الحكومة التي كانت ستنهض بالتفاوض على الاستقلال.&
كان ذلك العمل الرمزي ذا أهمية في انشغالات المغاربة، غير أنه كان بحد ذاته تكريساً لسلوك استقر في عمل الحركة الوطنية المغربية منذ ثلاثينيات القرن الماضي. ولم يكف الوطنيون قط عن الحوار مع النخبة في كل من فرنسا وإسبانيا، قصد إقامة جسور للتفاهم والتعاون. والدليل على ذلك مسارعة كتلة العمل الوطني إلى تأسيس مجلة «مغرب» في باريس، كي تكون منبراً للحوار.&


وحينئذ وقع شيء كان له ما بعده. إذ نشر المونسينيور لوفيفر، ممثل الفاتيكان بالمغرب، رسالة أوضح فيها أن للكنيسة دوراً متميزاً في بلد إسلامي، وخاصة أنه بلد مستعمر. وعرفت الوثيقة المشار إليها بالرسالة، وكانت محررة بأسلوب غير سياسي، لكنها ألحت على أن دور الكنيسة لا يقتصر على التبشير بالرحمة، بل بالعدل أيضاً. وعلى الفور -كما يوضح انياس ليب في كتاب نشره في غمرة الأزمة، عبّر عالم من القرويين بفاس عن تأييده هو ونظراؤه في الجامعة العريقة، للرسالة المذكورة، موضحاً أنه آن الوقت لإنهاء سوء التفاهم بين النخبتين المسلمة والمسيحية. وعلى الجانب المسيحي فالرسالة، كما يقول ليب، لم تستقبل بحماس إجماعي، وعابت الإدارة الفرنسية على المونسينيور تدخله في السياسة.&
وفي هذا الباب كتب مانويل كروث الذي كان مديراً لجريدة «إسبانا» التي كانت تصدر بطنجة، ممجداً محمد الخامس قائلاً: إن ذلك العاهل كان قائداً خارج المألوف. وكان طبعه السمح قد جعلنا كلنا متسامحين. وكانت قدرته على التفاهم قد حولتنا كلنا إلى متفاهمين. وكان إيمانه الديني قد جعلنا كلنا نتطلع إلى الله. وأضاف كروث: إن محمداً الخامس لم يكن فقط سباقاً إلى تحرير شعبه وشعوب العالم الثالث، بل أيضاً إلى التبشير بالتعايش والحوار.

&

&