&حمد الكعبي

عندما كانت التنظيمات الإرهابية تفجر المساجد والكنائس في العالم العربي قبل سنوات، نبّه الخطاب الرسمي الإماراتي إلى أن المنطقة إزاء ظاهرة تطرف متفاقمة، مع علو موجة التشدد الديني، وتوقع أن التوحش المدفوع بالكراهية سيكون أكثر دموية ودماراً، كما أن الحلول العسكرية، على أهميتها وضرورتها، تظل غير كافية، ما لم يرافقها تجفيف ثقافي ممنهج للبيئات والحواضن الراعية للتطرف والإرهاب.


كانت أعواماً صعبة، بعد العام 2011. «الإخوان المسلمون» انتهزوا «الربيع»، واعتبروا أن الظروف التي أدت إليه تمنحهم وكالة حصرية لتمثيل الشارع، ثم اتخذوا العنف والتآمر طريقين لأجندات بولاءات خارجية، وذلك قبل ظهور «داعش»، وإعلان دولتها في 2014، وما أعقب ذلك من جرائم ومشاهد همجية في الذبح والتفخيخ، وارتكاب الفظائع.
الإمارات جزء أساسي وفاعل من الحرب الدولية على الإرهاب، لكنها خارج ذلك، ابتكرت مشروعها التنويري الخاص، وأدركت أن ظاهرة التطرف لا ترتبط بدين معين، بقدر تعبيرها عن واقع ثقافي معين، يسود فيه خطاب واحد، يحتكر صحيح الدين وصواب الإنسان، ويقصي كل اختلاف، والأسوأ من ذلك أنه نهج تكفيري، قائم على العنف المباشر، بعد الكراهية والإقصاء.


مدّت الإمارات الجسور مع المراكز الروحية المعتدلة في العالم العربي، لا سيما الأزهر الشريف، وأسست مراكز بحثية وتنويرية لمواجهة التطرف، مثل «هداية» و«صواب» و«مجلس حكماء المسلمين»، وقررت أن المعركة الأساسية مع التطرف يجب أن تبدأ من الثقافة، بتنقيتها من نوازع التعصب ورفض الآخر، وتصل إلى التشريعات، والجهود الإعلامية والاجتماعية، وصولاً إلى عام التسامح الذي شهد توقيع أبرز وثيقة لـ «الأخوة الإنسانية» بين بابا الكنيسة الكاثوليكية وشيخ الأزهر.
الجريمة الإرهابية التي شهدتها نيوزيلندا قبل أيام، أظهرت صواب الرؤية الإماراتية في فهم التطرف ونشوئه في المجتمعات كافة. فقد كانت إرهاباً محمولاً على الكراهية الدينية، تشكّل ذهنياً ووجدانياً لدى «ذئاب منفردة»، نتيجة مناخات سياسية وفكرية، أيقظت اليمين المتشدد حول العالم، فكان أنْ غدر مجرم بأبرياء يؤدون صلاة الجمعة، كما غدر مجرمون آخرون بأبرياء في الأسواق والمنازل ودور العبادة.


صواب الإمارات، أنّ العالم سيظل عرضة لتشوهات أفكار شاذة، تجد لها إرهابيين من مختلف الجنسيات والأديان والأعراق، مثل منفذ جريمة صلاة الجمعة في نيوزيلندا، ولن تجدي الاحترازات الأمنية في منع التنظيمات والذئاب من أي سلوك إجرامي متعصب، إذ لا بد من التصدي لجذور الظاهرة وتعبيراتها الاقتصادية والاجتماعية، وإحلال الاعتدال والتسامح محل الغلو والبغض، ولا بد أن تنهض المراكز العلمية، والنخب الفكرية، ومؤسسات التعليم، والأذرع الإعلامية المختلفة، بأدوارها ومسؤوليتها في إزالة تشوهات مزمنة عن الثقافة العربية، بقيمها الحضارية، وعن الدين الحنيف، بسماحته وجوهره الإنساني الحقيقي.

&