&فتحــى محمــود

&102 عام هى الفارق بين وعد بلفور الذى منح فلسطين لليهود ووعد ترامب الذى يمنح الجولان للإسرائيليين، الوعد الأول جاء عبر رسالة خطية والثانى عبر تويتة إلكترونية، تغيرت الوسيلة التكنولوجية لكن النتيجة واحدة.. أعطى من لا يملك لمن لا يستحق.

&الموقف الامريكى جاء قبل أيام من الانتخابات الاسرائيلية التى تجرى فى 9 إبريل المقبل، ويواجه رئيس الوزراء الاسرائيلى بنيامين نيتانياهو زعيم حزب الليكود منافسة قوية فيها من أحزاب الوسط وخاصة (أزرق أبيض) بزعامة بينى جانتز رئيس الاركان السابق للجيش الاسرائيلي، والذى قاد العدوان على غزة عامى 2012و 2014 وأشرف على اغتيال أحمد الجعبرى قائد الجناح العسكرى لحماس.

وقد أظهرت معظم استطلاعات الرأى أن (أزرق أبيض) سيحصل على مقاعد أكبر من الليكود، وأن تحالف اليمين الذى يقوده نيتانياهو لن يستطيع الحصول على عدد مقاعد الكنيست الذى يمكنه من تشكيل حكومة ائتلافية (61 من 120)، بعد تأثر حملته الانتخابية بتهم الفساد التى يواجهها. لذلك فإن الهدف الأول من الموقف الامريكى تجاه الجولان فى هذا التوقيت هو دعم نيتانياهو فى الانتخابات، وهو ماظهر بوضوح خلال الزيارة التى يقوم بها نيتانياهو للولايات المتحدة الامريكية الآن، والحرص على التنسيق غير المسبوق بين البلدين فى شتى المجالات، خاصة أن نيتانياهو سبق أن أثار إمكانية اعتراف الولايات المتحدة بسيادة اسرائيل على الجولان فى أول لقاء مع ترامب بالبيت الأبيض خلال شهر فبراير 2017. وفى المقابل فإن ترامب يسعى أيضا من مواقفه الداعمة لإسرائيل إلى الحصول على دعم لجنة الشئون العامة الامريكية الاسرائيلية (إيباك) له فى الانتخابات الامريكية العام المقبل، باعتبارها أكبر لوبى يهودى فى الولايات المتحدة والأكثر تأثيرا فى السياسة الامريكية، ويأتى احتياج ترامب لدعم إيباك فى مواجهة تحديات كثيرة تتربص به، أظهر بسببها استطلاع أجرته شبكة CNN العام الماضى أن ترامب سيتعرض للهزيمة فى انتخابات الرئاسة الامريكية 2020 أمام ثلاثة مرشحين محتملين من الحزب الديمقراطى هم جو بايدن أو بيرنى ساندرز أو أوبرا وينفري.

ولا يمكن بالطبع إغفال حقيقة مؤسفة هى أن نجاح ترامب فى تمرير قراره بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة اسرائيل ونقل السفارة الامريكية إليها فى ديسمبر 2017 بنجاح ودون خسائر تذكر، قد شجعه على خطوة الاعتراف بالسيادة الاسرائيلية على الجولان، وقبلها بأيام صدور التقرير الامريكى السنوى لحقوق الانسان والذى أسقط صفة الاحتلال عن مرتفعات الجولان وغزة والضفة الغربية خلافا لما ينص عليه القانون الدولي، فقد اقتصرت المواقف العربية والدولية الرافضة لقرار القدس على بيانات الشجب والاستنكار، وتدريجيا خفتت الأصوات المعارضة أمام سياسة الأمر الواقع، وهو ما يراهن عليه ترامب فى الموقف من الجولان أيضا.

كما أن هذا الموقف الامريكى يمكن أن يكون استباقا لعملية إعادة ترتيب الأوضاع فى سوريا التى قد تتم خلال الفترة المقبلة على ضوء المتغيرات المتسارعة التى تشهدها الأزمة السورية، خاصة أن روسيا ـ التى رفضت الموقف الامريكى من الجولان ـ قامت بعدة إجراءات خلال الفترة الأخيرة لتهدئة المخاوف الاسرائيلية من الوضع فى سوريا والوجود الايرانى فى مناطق قريبة من الجولان، فقد أشرفت على اتفاق لخفض التصعيد فى جنوب سوريا وسحب القوات الايرانية وقوات حزب الله منه، ونشر وحدات من الشرطة العسكرية الروسية لحفظ الأمن بالمنطقة، والبدء تدريجيا فى إعادة قوات حفظ السلام الدولية إلى مواقعها فى خط برافو الفاصل بين الجزء الذى تحتله اسرائيل من هضبة الجولان والجزء الذى تسيطر عليه الدولة السورية، بعد أن جمدت القوات الدولية نشاطها فى المنطقة منذ عام 2013 بسبب تدهور الأوضاع الأمنية، وقامت بالانسحاب من المنطقة بعد ذلك نتيجة تعرض عناصر منها للاختطاف. وإذا كانت الدولة السورية قد نجحت بمساعدة روسيا وايران فى استعادة كثير من الأراضى التى استولت عليها جماعات المعارضة المسلحة، فإن خطر التقسيم مازال يتهددها سواء بما يحدث فى شمال شرق سوريا من مخاطر استيلاء القوات التركية عليها أو اتجاه الأكراد للانفصال، أو بتعقيدات التوصل إلى تسوية سياسية وشكل سوريا بعدها، مع الأخذ فى الاعتبار مصالح القوى الاقليمية والدولية الموجودة بالفعل على الساحة السورية ومنها اسرائيل.

لكن السؤال الذى يفرض نفسه فى كل الأحوال: هل هناك علاقة بقرار الجولان وما يسمى صفقة القرن أو الخطة الامريكية لتسوية الصراع العربى الاسرائيلي، كل المؤشرات تؤكد بالطبع أن الإجابة هى نعم، فكل المواقف التى تصدر عن إدارة ترامب منذ انتخابه تؤكد سعيه لتنفيذ الخطة عقب انتهاء الانتخابات الاسرائيلية رغم الغموض الذى يحيط بها، وبعد ادخال عدة تعديلات عليها لم تمس جوهر الأسس المبنية عليها مثل تبادل الأراضى والتوطين المتبادل والترتيبات الأمنية فى المناطق الحدودية والدور الاقتصادى العربي، فالتصورالامريكى قائم على ضرورة أن يدفع كل طرف ثمن التسوية فى الشرق الأوسط، ويمكن التنبؤ بشكل هذه التسوية إذا علمنا أن الفريق الامريكى المشرف عليها مكون من رجل الأعمال اليهودى الارثوذوكسى جاريد كوشنر صهر الرئيس ترامب وكبير مستشاريه، وجيسون جرنبلات المبعوث الامريكى لعملية السلام وديفيد فريدمان السفير الامريكى فى اسرائيل، والثلاثة من المتعصبين بشدة للجانب الاسرائيلى وليس لديهم خبرات كبرى سابقة فى التعامل مع الوضع بالشرق الأوسط.

وبهذا الشكل أصبحت الصورة واضحة، فالمسألة ليست القدس أو الجولان، ولكن إصرار ترامب على فرض تسوية معينة للشرق الأوسط، تكون أحد الانجازات التى يدخل بها الانتخابات الامريكية العام المقبل بدعم اسرائيلى كبير، فقد حقق لها مالم يحققه أى رئيس امريكى آخر خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يتطلب اتخاذ موقف عربى موحد يتم الاتفاق عليه خلال القمة العربية التى ستعقد فى تونس نهاية الشهر الحالي، يتضمن سيناريوهات محددة للتعامل مع تداعيات الموقف الامريكى من عملية التسوية الذى ستظهر تفاصيله رسميا قريبا، فالتعامل العربى الفردى مع هذا الأمر يعنى أن يخسر العرب جميعا ويسبب تداعيات سلبية كثيرة على الأمن القومى العربي. ويكفى أن التعامل العربى غير المدروس مع وعد بلفور، أوصلنا إلى ما نحن فيه الآن، ولن نكرر المأساة بالتعامل بنفس الأسلوب مع وعود ترامب التى تتحول دائما إلى واقع.