& حمد الماجد

&

لكم أن تضموا «عمى الاستبداد» إلى أنواع العمى الأخرى مثل عمى الألوان والعمى الليلي والعمى النفسي. «عمى الاستبداد» هو عدم إبصار الديكتاتور لنظرائه الذين تُسْقِطُهم شعوبهم الواحد تلو الآخر، صُمٌّ بُكْمٌ عميٌ فهم لا يعقلون، تماماً مثل «عمى الاستبداد» الذي أصاب عمر البشير فلم يُبصر ما حلَّ بالقذافي ومبارك وعلي صالح وسياد بري وصدام حسين وبن علي وحتى بوتفليقة الذي كان قناعاً مدنياً لحكم عسكري، كلهم بلا استثناء عزف نفس النغمة ولاقى نفس المصير، فمعارضوهم خونة ومرتهنون للخارج وعملاء للأعداء والعساكر هم الوطنيون العادلون المنصفون الرحيمون المشفقون... بحجة الأمن هتكوا عرض الأمن، وباسم حماية الاستقرار يقوضون استقرار شعوبهم وازدهارها، وباسم الوطنية يدوسون الوطن ويسرقونه وينهبون مقدراته، وبكل بجاحة يفوزون بالنسب الانتخابية التسعينية، ولا يُفيقون إلا إذا وجدوا أنفسهم فجأة في إقامة جبرية أجبروا عليها لتعود أسطوانة العزف «العسكري» للتردد في الأجواء تارة أخرى.


«عمى الاستبداد» جعل المشير البشير وكل من أسقطتهم شعوبهم وملَّت منهم ولَفَظَتهم لا يبصرون الإحصائيات الحديثة التي تقول إن الأنظمة الاستبدادية تقلصت في العالم الثالث المتخلف، فتهاوت في دول أوروبا الشرقية بتهاوي الدولة الراعية الاتحاد السوفياتي، وانحدرت بقوة في أميركا الجنوبية، وتناقصت بصورة حادة في القارة السمراء أفريقيا، مع الاعتراف بوجود «جيوب» مستبدة مقاومة فاشلة تظن أنها بمنأى عن سنة التغيير التي تجتاح العالم ولا تُحابي ولا تُجامل، «عمى الاستبداد» جعل الانقلابيين لا يعون أن انقلاباتهم باتت «دقة قديمة» لا تتناغم ولا تتلاءم مع متطلبات العصر ووعيه ومتغيراته.
«عمى الاستبداد» جعلهم لا يتحملون أي لمعان آخر، فكل من لمع في مجال السياسة والدين والأكاديمية والإعلام والاقتصاد و«السوشيال ميديا» والرياضة وحتى الفن كتموا لمعانه، هذا إن لم يكتموا حريته وحياته، ولهذا فالنهضة والتنمية في شتى المجالات في خفوت كلما كانت عنايتهم بلمعانهم هم فقط.
«عمى الاستبداد» جعلهم لا يدركون أن قبول الغرب بهم وسكوته عن جبروتهم وطغيانهم وحكمهم لشعوبهم بالحديد والنار هو استغلال لاستبدادهم في سهولة الحصول على الصفقات التجارية والعسكرية التي يسيل لها لعابهم، فلا تمر الصفقات المليارية ببرلمان منتخَب ولا هيئات مستقلة تراقب وتحاسب. و«عمى الاستبداد» جعلهم لا يبصرون كيف يرميهم الغرب رمي النوى إذا ثارت عليهم شعوبهم أو انقلب عليهم ديكتاتور آخر.
«عمى الاستبداد» أعماهم عن حقيقة بدهية أثبتتها وقائع التاريخ لكل المستبدين الذين سقطوا أو هم آيلون للسقوط، تقول هذه الحقيقة إن المستبدين قد يخدعون ويتجبرون وينهبون ويسيطرون بعض الوقت على بعض الناس، لكن من المستحيل أن يستقر لهم قرار كل الوقت على كل الناس، فلو كان البقاء بالسطوة والظلم والقمع والسجون والقتل والتعذيب لبقي نظام الاتحاد الشيوعي السوفياتي النووي وهو، في حينها، كان القوة العظمى الندّ لأميركا، ولبقي معمر القذافي وبن علي وعلي صالح والبشير وهم مَن هم في قمعهم وطغيانهم ودمويتهم.
«عمى الاستبداد» جعلهم لا يعون المتغيرات والمستجدات، فلا يفهمون أن «السوشيال ميديا» باتت أعظم تأثيراً من إعلام المستبد مهما تعددت قنواته وتنوعت صحفه وكثر صحافيوه وإعلاميوه، وأن تغريدة واحدة أو سنابة أو رأياً عبر «فيسبوك» يعدل تأثيره كل ما يملكه قمع المستبدين من أدوات وقنوات وكُتَّاب.


من الخزي أن المستبدين القمعيين، وآخرهم بشير السودان، لا يَعتبرون ولا يتعظون، ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة.