&محمد اليامي&&

لا شك أن اعتذار الشيخ السعودي عائض القرني يشكل علامة فارقة في مسيرة الصراع الثقافي الاجتماعي الاقتصادي بين التشدد الذي «اختار» لقب الصحوة، وبين معارضيه أو معارضي الصحوة وهم غير مصنفون تحت راية واحدة – آنذاك وإلى الآن - واسميه ثقافي اجتماعي اقتصادي لأنه كان دوما من أجل النفوذ والسيطرة، أما الديني فثبت ألّا علاقة للدين بهذا الصراع.


هو شجاعة أدبية شخصية، وهو ذكاء في «إدارة الأعمال»، وفي الاتصال، والبقاء دوما تحت الضوء، وهو أخذ «النيابة» عن الصحوة ولا نعرف أن كان أباطرتها - الذين ننتظر موقفهم من هذا الاعتذار- يقرون له بأن يكون نائبا عنها، ونتساءل: هل يمكن قبول القرني نائبا وممثلا للصحوة؟ هل كان جزء من ثقافتها؟ أم من «إدارتها العليا»؟

الاعتذار سيكون أقوى لو أتى من شخصيات «صحوية» حكومية أو رسمية، تلك التي تسنمت مواقع التأثير في المؤسسات الدينية، ومواقع الفتوى «الرسمية»، ومواقع التنفيذ على أرض الواقع لكل مخرجات الفكر الصحوي، وبعضهم لا يزال في الحكومة موظفا رسميا.

لم يقبل الكثيرون اعتذار «شخص» لم يكن صاحب قرار، صحيح أنه صاحب تأثير جماهيري، لكنه لم يكن صاحب قرار لا في المؤسسة الدينية ولا في غيرها، وهم تحسروا على ما ضاع من أعمارهم وحياتهم، ومعهم حق، لكن ألا يجب التفكير جديا فيمن يجب أن يعتذر؟ أو ربما يحاكم ؟ وتصادر منه الأموال والمناصب كما صودرت من «نزلاء» الفندق الشهير.

يجب أن نقر ونعترف أولا بحقيقة عبر عنها «المفكر الفقهي» توفيق السيف بتعليق مختصر مفيد هو «أرى أن الكل يلقي عباءة المسؤولية على دعاة المرحلة المذكورة. فماذا عن الذين اتبعوا واستجابوا؟ ألم يكونوا عقلاء. ألا يتحملون مسؤولية أفعالهم، بما فيها فعل تبعية الغير ولو بمبرر ديني؟. إن إفراد الدعاة بالمسؤولية يساوي القول بأن من تبعهم لم يكن عاقلا».

ومن الإفراد بالمسؤولية إلى الإشراك فيها والاعتراف أن جهات حكومية عدة شاركت في صنع العروش الواهية لأباطرة الصحوة، وأولها وأهمها وزارة التعليم التي كرست فكرهم عبر ممارسته فعليا على أرض الواقع، والتي قامت أحيانا بفصل معلم ومعلمة ارتكازا على شبهات «صحوية» عززتها أحكام قضائية مهزوزة في وزارة العدل، الوزارة الثانية التي كانت محكومة بالفكر الصحوي أكثر منها باللوائح والأنظمة.

هذه الوزارات من يجب أن يعتذر، يجب أن تعتذر وزارة الشؤون الاسلامية على إقصاء كل من هو ليس متشدد صحوي عن المنبر- آنذاك- ويجب أن تعتذر وزارة الإعلام على فسح وترخيص أشرطة الكاسيت ومحال بيعها التي كانت وقود التهييج الجماهيري ضد كل ما هو «غير صحوي»، والقائمة تطول.

إن انسياق العامة عززه وكرس له تغلغل الصحوة في مفاصل هذه الجهات الحكومية وغيرها حتى كاد غير «الصحوي» الذي يشككون في إسلامه، يشك في مواطنته، فيلجأ لـ«المغارة» الصحوية بحثا عن انتماء.

أهم ما في هذا الاعتذار أنه يفتح النقاش وأبدأه بأسئلتي: ماذا سيكون الوضع أو الحال لو لم يتدخل القرار السياسي التاريخي الشجاع في هذا الملف؟ ما هو المشروع / المشاريع المقابلة للصحوة - فكرا وممارسة - والتي كان الادعاء أنها معطلة بسبب الصحوة؟ والأسئلة كثيرة، والحديث يطول.

&