&عبدالرحمن الطريري

في مباريات كرة القدم، عادة ما يذهب بعض مدربي الفرق الكبرى، إلى اللعب بنفس الخطة، وتقريباً بنفس التشكيلة في كل مباراة، أيا كان الخصم، وهو بهذا الأمر يفرض رتمه على المباراة، ويدفع الفريق الآخر ليكون في موقع ردات الفعل.

هذه الطريقة يستخدمها الرئيس دونالد ترمب إلى حد ما مع إيران، وقبلها مع كوريا الشمالية، وذلك على مستوى الإستراتيجية الكبرى، والتي تعني تشديد العقوبات، والذهاب بالطرف الآخر إلى حافة الهاوية، مما يجعله يرضخ على طاولة المفاوضات بأقل الشروط، بعدما أصبح الأكسجين في الغرفة بالكاد يكفي.

على مستوى التكتيك اختلفت الإجراءات الأمريكية بين الدولتين، تبعا للعوامل الجيوسياسية، وعلى رأسها وجود إيران على طرف معبر مائي مهم هو «مضيق هرمز» يعبر من خلاله ما يقارب خمس نفط العالم، بالإضافة إلى وجود عسكري لميليشيات تابعة وتدين بالسمع والطاعة في دول مثل سورية والعراق، بالقرب من وجود عسكري أمريكي.

بالإضافة إلى وجود ميليشيا تابعة أخرى لإيران في اليمن، تسيطر على ميناء الحديدة، وتستطيع الإضرار بناقلات نفط وبأخريات تجارية، ولديها سوابق في ذلك بطبيعة الحال، وهذه العوامل ليست موجودة في الحالة الكورية الشمالية، التي ليس لها ميليشيات في اليابان، أو تسيطر على أحد موانئ تايوان أو الفلبين، مما قد يؤثر على سلامة الملاحة في بحر الصين الجنوبي.

وهذا ما استدعى الولايات المتحدة الأمريكية، لنقل قاذفات B52 إلى قاعدة العديد في قطر، وإرسال منظومة صواريخ دفاع جوي من نوع باتريوت، بالإضافة لحاملة الطائرات الأمريكية يو إس إس أرلينغتون، التي تحمل على متنها مركبات برمائية وطائرات مقاتلة، لتنضم إلى حاملة الطائرات أبراهام لينكولن التي عبرت قناة السويس جنوباً قبل أيام.

في أجواء هذا الحشد العسكري، والذي اختلف المحللون حول ما إذا كان يمثل خطوة على طريق الحرب، أم ورقة على سجادة العبور للمفاوضات، تعرضت أربع سفن سعوديتان وإماراتية ونرويجية لهجمات قبالة ساحل إمارة الفجيرة في دولة الإمارات الأحد الماضي، والذي رجحت محطة «NBC NEWS»، الأمريكية نقلا عن ثلاثة مسؤولين أمربكيين بأنه تم بأيد إيرانية، وذلك عبر عبوات ناسفة.

وتلا ذلك بيومين اعتداء على خط النفط السعودي الذي ينقل النفط بين بقيق وينبع، وذلك عبر طائرات بدون طيار، استهدفت الخط عند منطقتي عفيف والدوادمي -جنوب الرياض-، وهو ما تبناه الحوثيون، كما أن العملين معا يأتيان اتساقا مع تصريح إيران بأنها لن تسمح أن تتوقف وحدها عن ضخ النفط، وبالتالي ستمنع جيرانها من تصدير النفط، بعد قرار إدراة ترمب تصفير صادرات إيران النفطية.

منع تصدير النفط هو أمر يتجاوز قدرة إيران العسكرية، نظراً للقوة العسكرية البحرية التي تملكها دول خليجية على رأسها المملكة، ناهيك عن الصعوبة الإضافية التي مثلها الوجود العسكري الأمريكي في مياه الخليج، لردع محاولات العبث الإيراني، مع إدراك طهران أن إغلاق المضيق لو كان ممكنا عسكريا، فسيدفع أسعار النفط نحو 300 دولار، وهو ما لا يتحمله السوق العالمي، خاصة كبار المستوردين كالصين واليابان، اللتين زارهما جواد ظريف خلال الأيام السابقة، مستجديا إبقاء حبل الود الاقتصادي ممدوداً.

وفي محاولة لفهم الجمجمة الإيرانية في هذه المرحلة، نجد أن الإيرانيين لديهم قناعة راسخة بأن ترمب لا يريد الحرب ولا تفيده، خاصة على مستوى إعادة انتخابه، ونحن على بعد عام من بدء الانتخابات الرئاسية في (يونيو 2020)، لكن الحشد العسكري الأمريكي مفيد على مستوى شد عصب الداخل الإيراني، ووأد كل حركة احتجاجية في الداخل، فكل من يقف في الشارع معترضا على فساد الحرس الثوري، أو ضيق العيش بعد زيادة التضخم وتدهور الريال الإيراني، يسهل تصفيته واعتباره عميلا للشيطان الأكبر.

وعلى مستوى آخر تدرك إيران ما شاهدته عن قرب من قدرات سعودية في عاصفة الحزم، وما تملكه من قدرات استخبارية أفشلت العديد من العمليات الإرهابية في داخل المملكة، والتي لا تبدو أصابع إيران ببعيد عنها، وبالتالي تدرك تكلفة الدخول في صراع عسكري مباشر.

وعليه فهي تدرك أن ترمب سعى لهدفين في دفعها نحو التفاوض، الأول ضغطها اقتصاديا لأقصى حد بعد وضع عقوبات على النفط ثم المعادن، والتلويح بعقوبات على السجاد وباقي الصادرات الإيرانية، والأمر الآخر تجريدها من أوراق التفاوض عن أذرعها في المنطقة، بعد أن قل تأثير هذه الأذرع، وأضعف من دورها في العراق مثلا التواجد الأمريكي.

اليوم ينصح جون كيري طهران بالصبر على أمل رحيل ترمب بعد عام ونصف، وهو أمر متعذر على اقتصاد بضعف الاقتصاد الإيراني، خاصة إذا أحكمت السيطرة على قدرات إيران لاستغلال الدول المجاورة بريا لتجاوز العقوبات، وهي العراق بشكل رئيسي ثم تركيا وأفغانستان، ويكفي أن ننظر لما أحدثه عام واحد من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، لندرك أي قاع سيصله الاقتصاد الإيراني والعملة بعد عدة أشهر.

يبقى عامل الوقت هو الحاسم في هذه المعركة الكلامية والاقتصادية، الجميع يضع يده على الزناد دون نية إطلاق الرصاص، وما يوجع طهران هو ضرب قدرات أذرعها اقتصاديا وعسكريا، في لبنان واليمن والعراق، ومع الوقت قد تذهب طهران لتهور محدود هنا أو هناك، لكنه سيكون الطريقة التي تفكر فيها الجمجمة الإيرانية لتحسين شروط التفاوض، وليس رفض التفاوض كما يأمل كيري.