&خالد الطراح&

&الأبكم ليس بالضرورة الشخص غير القادر على النطق، وانما قد يكون الفرد الاكثر صمتا، خصوصا اثناء جلسات النقاش والاستفهام، بعكس المفوه وفصيح اللسان، فمن يلوذ بالصمت احيانا، ليس بالضرورة من اجل الانصات بقدر فقدان القدرة على التعبير وتفضيل الصمت على الرد والتعليق، حتى لو كان الفرد في موقع قيادي او وزير، مثلا، تفاديا لفقدان المقعد الرسمي وبريقه الاعلامي! حين يكون الوزير سياسيا محترفا وصلبا، يكون اكثر قدرة على مواجهة النقاش حتى لو بلغ درجة الاحتدام، دفاعا عن قناعات مهنية ووطنية غير قابلة للتنازل والمساومة، حتى لو كانت الحكومة على استعداد لتلبية العكس! طبعا، هذه المواقف غابت منذ زمن عن الساحة السياسية، فقد قضت المحاصصة والترضيات والتردد في اتخاذ القرار على جذب وزراء ذوي مواقف صلبة لا يقبلون بالمهادنات ولا يجزعون من المساءلة النيابية ايضا.&

هكذا يبدو المشهد السياسي، فإذا نجا وزير من هجوم صحافي، وهو امر نادر، لا بد ان يكون البديل في هجمة الكترونية مكثفة تصل الى حد التنمر من فئات مختلفة، حتى من خارج ذوي الاختصاص! في الآونة الأخيرة، حلت بشكل مفاجئ جرأة غير مسبوقة على بعض القياديين السابقين، ممن صمتوا حين تربعوا على المنصب الرسمي، بينما انطلقت ألسنتهم بفصاحة، ربما بهدف جذب الضوء وتسجيل موقف اعلامي لا اكثر، وهم من لاذوا بالصمت بالأمس القريب. اعادت ظاهرة الجرأة المفاجئة الى الذاكرة العديد من الاحداث والمواقف الطريفة، خصوصا حين كانت هناك موضوعات مثارة اعلاميا، بينما الطرف المعني قدم الصمت على الرد والتوضيح على ما يثار، متجاهلا متطلبات العمل والتواصل مع الشعب ووسائل الاعلام!

ضمن هذا السياق، نجد من كان في احضان الحكومة وصمت طوال فترة تمتعه بالمنصب الرسمي عن مقارعة الحجة بالحجة، ضيفا في حوارات مفتوحة، علاوة على سرعة الرد على ما تتناوله وسائل الاعلام المرئية والمقروءة، وهي بحق ظاهرة مسلية تؤكد ان خروج البعض من عباءة الحكومة، يجعله اكثر اندفاعا نحو جذب الاضواء من جديد، لا سيما حين لا يجري احتضان الحكومة لهم ومنحهم مناصب اخرى كتعويض او «تقدير» لخدماتهم. صحيح ان فصاحة اللسان ملكة، ولكنها ايضا من متطلبات العمل السياسي بالدرجة الاولى وفي مجالات اخرى كالتعليم، فالتدريس يتطلب ايضا مهارات في تبسيط المنهج الدراسي وجعله مادة جاذبة وغير منفرة بين صفوف الطلبة. يروى عن وزير سابق ممن يتميزون بكثافة الزيارات للديوانيات في الكويت، بينما لا يسمعون له صوتا سوى السلام عند الدخول والسلام ايضا عند الخروج، دون اي مشاركة في الاحاديث المتنوعة في المجالس، الا في حالات نادرة، وغالبا ما تكون ردود مقتضبة وغير مفهومة المقصد! كيف يمكن للشخص الذي بدا في المجالس كالأبكم، ان يدير العمل الرسمي، بينما فاجأنا أخيرا بجرأة مستغربة؟! مثل هؤلاء كانوا محل تندر في مجلس الامة.

&