&فيصل العساف&

لنعد إلى الوراء قليلا، إلى العام 1990 الذي شهد غزو صدام حسين للكويت، ثم لنتذكر ذلك الهاجس الذي كان سائداً بعد طرده منها، حين كانت أصابع الاتهام لا تنفك تشير ناحية الأميركيين بسبب عدم مضيهم قدماً في تخليص المنطقة من شره.


13 عاماً تلت ذلك التاريخ، ونظرية المؤامرة تحجب فيها بعض "المتعجلين" عن قراءة الواقع، وتميل بهم إلى أن المصلحة الأميركية تكمن في إبقاء صدام "شوكة" في حلق الخليج، و"فزّاعة" تضطر حكوماته إلى التهافت على شركات تصنيع الأسلحة لغرض شراء ما يمكنّهم من ردع تهوره، حتى أن الحصار الذي فرضته أميركا على العراق طيلة تلك السنوات، والإذلال الممنهج عبر برنامج "النفط مقابل الغذاء"، لم يكن ليقنعهم بأن الذئب الأميركي لا يهرول عبثاً! في عام 2003 حانت ساعة الحقيقة، زحف الأميركيون بقضهم وقضيضهم باتجاه ثمرة العراق السائغة، التهموها وعيون العالم - بمن فيهم الروس- شاخصة، تتفرج على حجة احتلاله "الواهية" من دون حول لهم ولا قوة. نعم، إنه الدرس التاريخي الأميركي المنسي في خضم الرغبات ذات الأفق الضيق، التي لا تنظر أبعد من أمانيّها، بعيدا كل البعد عن حسابات السياسة ومقتضياتها.

"ما أشبه الليلة بالبارحة"، متعجلون آخرون، ينطلقون بتحليلاتهم السياسية في ما يختص بالأزمة الأميركية - الإيرانية من النظرية آنفة الذكر ذاتها، فالمؤامرة لا تغيب عن أذهانهم، عندما يظنون بأنهم ودولهم محور هذا الكون، ويغيب عنهم أن أميركا التي تدير هذا العالم، إنما يشغل بالها ما هو أكبر بكثير من مشكلاتهم، فما بين الصين الصاعدة وروسيا المتوثبة والعالة المترهلة أوروبا، وغيرها، وبين التأثير في العقل الجمعي داخل أميركا ودفعه إلى الاقتناع بتدابير صانع القرار في البيت الأبيض، ثمة أمور يتعين التعامل معها بحذر، وإلى حين نضوج الطبخة الإيرانية في مطبخ السياسة الأميركية، هنالك استحقاقات يتعين على السلطات في إيران دفع ثمنها غاليا، من ذلك ما ترتب على إسقاط الطائرة الأميركية من دون طيار أخيراً، إذ شهد رد الفعل الأميركي فرض عقوبات اقتصادية إضافية، تسهم مع سابقتها في خنق عصابة خامنئي، ومن المهم في هذا الخضم عدم تجاهل المسألة اليمنية التي "ربما" تكون أول تلك الاستحقاقات، ذلك بناء على ما ذكره الموفد الأميركي الخاص بإيران براين هوك الذي أكد بالأمس أنه "يجب ألا يكون لإيران موطئ قدم في اليمن، حتى لا تهدد باب المندب".

في هذا السياق، يأتي تصريح الرئيس ترامب حول الطائرة المسقطة، وقوله إن "الأمر كان سيختلف كثيراً لو كانت الطائرة التي أسقطتها إيران تحمل ركاباً"، كواحد -في رأيي- من "أصدق" ما قاله ترامب منذ توليه سدة الرئاسة حتى يومنا هذا، لقد بعث إليهم بخريطة الطريق إلى الحرب لو كانوا صادقين، فهو يعلم أن إيران لن تتقدم خطوة في اتجاه التنازل، وستستمر في استجداء التدخل الأميركي العسكري، ليس شجاعة منها، وإنما مقامرة سياسية على طاولة الانتخابات الأميركية القادمة، على أمل إزاحته وصقوره من خلال توريطهم بعمل عبثي لا يرقى إلى ترجمة نواياهم، فيما يستحضر ترامب من جهته العقاب القاسي الذي حل بالرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، جراء عملية "مخلب النسر" التي فشلت في إنقاذ الرهائن الأميركيين المحتجزين في سفارة بلادهم في طهران في عام 1980، وكيف للمغامرة غير المحسوبة العواقب أن تهوي بصاحبها غير مأسوف عليه! على رغم ذلك، يبقى خيار الضربة العسكرية (الساحقة) قائماً بالفعل، متى التقط "عمائم الشر" في إيران رسالة ترامب، وأشعلوا له الضوء الأخضر بمزيد من حماقاتهم.