قبل تنفيذ حکم الإعدام بحق مدانين اثنين، قيل لهما أن يطلبا آخر أمنية لهما في الحياة، فقال الأول: أريد أن ألتقي بوالدتي، أما الثاني فقال: رغبتي الأخيرة ألا يلتقي زميلي المدان هذا بوالدته!

التباعد في الآراء والمواقف بين الناس، ووصولها إلى حد التناقض المفرط الذي يحول دون الاتفاق والتطابق، يبدو واضحاً أنه قد أصبح سمة في العالم راهناً، ابتداءً بالحرب الروسية في أوکرانيا ومروراً بالحرب في غزة وانتهاءً بالحالة الدائرة بين الغرب ونظام الملالي، وکلها ترسم في خطها العام ظلالاً قاتمة السواد في الأفق المنظور، وتجعلنا نترحم على عصر "الحرب الباردة"!

بين الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة الأميرکية، وبين نظام الملالي، حالة غريبة وفريدة من نوعها، تبدو في الظاهر کأنها تجسد ذروة التناقض والاختلاف، لکنها وفي باطنها، وعلى الأعم، تجسد البراغماتية بأوضح صورها، کلاهما يلعبان، کل على شاکلته، وبقدر ما يعمل نظام الملالي "تحت أنظار الغرب" من أجل تنفيذ مشروع الخميني في المنطقة، فإن الغرب ماض على قدم وساق أيضاً في طريقه للشرق الأوسط الجديد، الذي لا يبدو أنه قد تم التخلي عنه، لا سيما بعد أن وصل الحال بين البلدان العربية التي کانت رافضة لإسرائيل، "حليف الغرب الأساسي في المنطقة"، بصورة قطعية إلى بناء جسور علاقات وصلت إلى مستوى المحافظة على الأمن والاستقرار، وکل ذلك بفضل "ناطور الخضروات" نظام الملالي.

عندما أکد الخميني في بدايات حکمه المثير للجدل (إسرائيل يجب أن تزول من عالم الوجود)، فقد کان الاعتقاد السائد من وراء هذه المقولة، أن نظام الملالي هو من سيتصادم مع إسرائيل وسيقوم بمساعدة "جيوشه الغيبية" بإزالتها من الوجود، ولکن، لم يکن هناك من يفکر بأن هذا النظام سيتواجه مع إسرائيل عبر وکلائه وبعيداً عن حدوده، وأنَّ نيران حروب الملالي بالوکالة مع إسرائيل، لن تطال النظام بل إنها تطال البلدان التي تحتضن الوکلاء الذين على استعداد للتضحية بأنفسهم وشعوبهم وأوطانهم من أجل سواد عيون الولي الفقيه!

لو راجعنا ما قد جرى وتداعى عن حرب صيف عام 2006، التي قام بها حزب الله بالنيابة عن نظام الملالي، فإنها وفي بداياتها وحتى بعد فترة قصيرة من انتهائها، تم التعامل معها وکأنها فتح مبين، وأن إسرائيل قد أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الزوال، ولکن رويداً رويداً توضح حجم الکارثة المروعة التي نجمت عن هذه المجازفة الفظيعة التي قام بها حزب حسن نصر الله إکراماً لولي أمره في طهران. هذه المجازفة، التي أکدت بأن الدخول في حرب مع دولة دججت نفسها بترسانة من الأسلحة وتراقب کل شاردة وواردة تتعلق بصورة وأخرى ليس بأمنها وإنما حتى أمن جيرانها، ليست کأي حرب، وإن حجم الخسارة التي تکبدها لبنان ومن ثم الحزب کانت أکبر بأضعاف من الخسائر التي لحقت بالدولة العبرية.

إقرأ أيضاً: لا تأخذوني بأفعالي بل بأقوالي!

أما حرب غزة، التي أميل کثيراً إلى وصفها بالحرب الثانية بالوکالة لنظام الملالي ضد إسرائيل، فإن الموقف الضبابي لنظام الملالي منها لا يزيد عن تحريك "محدود" لوکلائه في العراق واليمن، أما هو، فإنه قد أصبح الجبهة الإعلامية لحرب غزة، في حين أن کامل الحمل والمواجهة وتکبد الخسائر المادية والمعنوية وقع ويقع على کاهل أهالي غزة، وليس حماس الأنفاق، وکأن لسان حال نظام الملالي يردد المثل العراقي المعروف: "ومن هالمال حمل جمال!".

العالم کله من شرقه إلى غربه، وحتى نظام الملالي نفسه، منهمك بالضغط على إسرائيل من أجل وقف إطلاق النار (تصورا!) وليس وقف الحرب، ولکن إسرائيل تأبى ذلك، وعندما نطالع إعلام نظام الملالي نجد أن إسرائيل على حافة الانهيار، وأن الولايات المتحدة والغرب قد تزلزلوا، أما هذا النظام فإنه ينتظر الساعة لکي يذهب إلى غزة ويحتفل بالنصر إلى جانب قادة حماس بشقيها في الأنفاق أو الفنادق.

إقرأ أيضاً: العبور الصعب للسفينة المليئة بالثقوب

حرب صيف 2006 وحرب غزة، أکدتا أنَّ إسرائيل حقيقة وأمراً واقعاً لا مناص من القبول به، وأن الشعارات الحماسية والتفسيرات والفرضيات والتحليلات النظرية الموغلة في طرح موجبات الانتصار على إسرائيل وإزالتها مجرد کلمات صماء، وليست هناك طرائف وأحجية يمکن أن توازي تلك المقالات والتنظيرات لکتاب عرب والتي تتحدث عن احتمال خسارة إسرائيل للحرب في غزة، وهي في الحقيقة ليست إلا مجرد تمنيات من ضاقت به السبل وأحلام يقظة لا تعني في الواقع شيئاً، وأذکرکم بالفورة الحماسية العربية التي جرت بعد زيارة الرئيس المصري الأسبق أنور السادات إلى إسرائيل وما نجم عنها، وإنه عاجلاً أم آجلاً سنجد أعلام إسرائيل ترفرف على عواصم البلدان التي لم تعترف لحد الآن بإسرائيل، ولا أعلم هل إن خامنئي سيعيش إلى ذلك الحين ليرى ذلك أم أن إيران وقتئذ ستکون غير إيران الملالي؟ الله أعلم!