الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش):
في حزيران (يونيو) من عام 2014، أعلن أبو بكر البغدادي الدولة الإسلامية، ونصب نفسه أميرًا عليها (إقرأ الحلقة الأولى من هذه الرباعية هنا)، وتعتبر تلك الدولة أو ما سمي بداعش من أكبر الفصائل الجهادية التي كانت تابعة للقاعدة إلى حين انفصالها عن تنظيم القاعدة العالمي بقيادة أيمن الظواهري، وأكبرها عدًة وعتادًا وانتشارًا أفقيًا، حيث امتد نفوذها بالإضافة إلى جزء كبير من سورية إلى العراق، لتسيطر على عدد من المحافظات السورية والعراقية، أبرزها الرقة والموصل، وبعد عام ونصف من إعلان دولة الخلافة، ارتفع عدد المنتسبين للدولة بشكل ملحوظ، حيث وصل عددهم حسب تقديرات منظمة سوفان للاستشارات الأمنية في مدينة نيويورك إلى 27 ألف مقاتل، قدموا من 86 دولة، أغلبها من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وقد تكوّن الهيكل التنظيمي للدولة الإسلامية حتى عهد البغدادي من:

الخليفة:
يعتبر رأس الهرم التنظيمي ويشرف إشرافاً مباشراً على المجالس مثل مجلس الشورى ومجلس الإعلام والمجلس العسكري، ويعتبر حامد داود محمد خليل الزاوي الملقب بأبي عمر البغدادي أول خليفة في دولة الخلافة، وتبعه إبراهيم عواد إبراهيم البدري السامرائي الملقب بأبي بكر البغدادي، ومن ثم محمّد عبد الرحمن الصلبي المولى الملقب بأبي إبراهيم الهاشمي القرشي، وتعود أصوله إلى مدينة تلعفر شمال العراق، أمل القائد الحالي للتنظيم فلم يكشف عن اسمه حتى الآن، بالرغم من الإعلان عن اختياره من قبل مجلس الشورى، ويعتبر الخليفة القائد الديني والسياسي وله الحق الطاعة بُعيد اختياره من قبل مجلس الشورى وأهل الحل والعقد.

مجلس الشورى:
وهو من أهم المؤسسات التابعة للتنظيم، وبالرغم من التطورات التي شهدها المجلس منذ إمارة الزرقاوي مرورًا بأبي عمر البغدادي وصولاً إلى أبي بكر البغدادي، إلا أنَّ مؤسسة الشورى كانت حاضرة دومًا، تجتمع للنظر في القضايا المستجدة واتخاذ القرارات المهمة ورسم السياسات العامة، وتضم في عضويتها عددًا من القيادات التاريخية وخصوصًا الشرعية، ولا يوجد ثبات في عدد أعضائها، وغالبًا ما كانت تضم من 9 إلى 11 عضوًا يختارهم زعيم التنظيم بتزكية من الأمراء والولاة. يتمتع المجلس بصلاحية عزل الأمير من الناحية النظرية، ومن مهام مجلس الشورى تزكية المرشحين لمناصب الولاة، وأعضاء المجالس المختلفة، وداخل مجلس الشورى يوجد مجلس شرعي يتمتع بأهمية خاصة نظرًا لطبيعة التنظيم الدينية، وكان يترأسه البغدادي شخصيًّا، ويضم في عضويته ستة أعضاء، ومن مهامه الأساسية مراقبة التزام بقية المجالس بالضوابط الشرعية، وترشيح خليفة جديد في حال موت الخليفة الحالي أو تعرضه للأسر أو عدم قدرته على إدارة التنظيم والدولة لأسباب طارئة كالمرض والعجز.

أهل الحل والعقد:
ويضم عدداً كبيراً من أهل الشأن مثل الأمراء والعلماء والقادة والساسة ووجهاء المجتمع، ويُطلق عليهم أحيانًا "أهل الشورى"، وفي تنظيم الدولة الإسلامية يمثلون طيفًا واسعًا من الأعيان والقادة والأمراء، بالإضافة لمجلس شورى الدولة، وهم من يقومون ببيعة وتنصيب الخليفة.

الهيئة الشرعية:
تعتبر أحد أهم مفاصل تنظيم الدولة الإسلامية نظرًا لطبيعتها الدينية، وتعاقب على قيادتها أبو أنس الشامي ثم عثمان بن عبد الرحمن التميمي وخلفه أبو علي الأنباري ومن بعده أبو محمد العاني. تنقسم الهيئة الشرعية إلى قسمين رئيسيين، الأول: يتعلق بتنظيم المحاكم الشرعية ومؤسسة القضاء للفصل في الخصومات وفض النزاع وإقامة الحدود، والقيام بوظيفة الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والثاني: يقوم بوظيفة الوعظ والإرشاد والتجنيد والدعوة ومتابعة الإعلام.

الهيئة الإعلامية:
يعتبر تنظيم الدولة من أكثر التنظيمات الجهادية المهتمة بالإعلام ويعتبرها وسيلة مهمة لإيصال رسائله السياسية ونشر أيديولوجيته الجهادية، وتوالى على رئاسة القسم الإعلامي أو وزارة الإعلام أبو ميسرة العراقي وخلفه أبا محمد المشهداني ومن ثم أحمد الطائي ومن ثم أبي الأثير عمرو العبسي، ويضم الهيكل الإعلامي في التنظيم عدداً من المؤسسات الإعلامية كان أولها مؤسسة الفرقان ومن ثم الاعتصام وتبعها الحياة وأعماق والبتار ودابق الإعلامية ومؤسسة الخلافة ومؤسسة أجناد للإنتاج الإعلامي والغرباء للإعلام ومؤسسة الإسراء للإنتاج الفني ومؤسسة الصقيل والوفاء ومؤسسة نسائم للإنتاج الضوئي ومجموعة من الوكالات التي تتبع الولايات التي يسيطر عليها التنظيم كوكالة البركة والخير وغيرها، وأصدر التنظيم عدداً من المجلات بالعربية والإنجليزية مثل دابق والشامخة، كما أنشأ التنظيم إذاعة البيان وإذاعة أخرى في مدينة الرقة، كما أصدر التنظيم عدداً من المدونات باللغتين العربية والإنجليزية، ويعتبر فيلم "لهيب الحرب" من أضخم الإصدارات وأكثرها دقة ورعبًا، وكذلك أصدر التنظيم فيديوهات أحدثت صدى كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل "كسر الحدود" و"خطبة البغدادي في الموصل" و"سلسلة أرض الملاحم".

بيت المال:
تمكن تنظيم الدولة من بناء شبكات تمويل متنوعة المصادر ويُعد التنظيم الأغنى في تاريخ الحركات الجهادية، حيث أسس لجنة مالية قوية لجمع الأموال يشرف الخليفة مباشرة عليها وقد تضخمت مالية التنظيم بُعيد سيطرته على الموصل وجزءً كبير من سورية والعراق ومن أهم مصادر التمويل:

- التبرعات والهبات

- أموال الصداقات والتبرعات والزكاة

- عوائد تحرير الأجانب المختطفين

- الاستيلاء على الموارد والسلع من الأماكن التي يسيطر عليها

- عوائد الثروات الطبيعية والمعادن: من النفط والغاز، التي استولى عليها التنظيم في العراق وسوريا؛ إذ سيطر التنظيم على أكثر من 80 حقلاً نفطيًّا صغيرًا، وقام ببيعها محليًّا، أو خارجيًّا عن طريق التجار، وتقدر بنحو 2 مليون شهريًّا، فضلاً عن سيطرته على مناجم الذهب في الموصل.

- فرض الضرائب والرسوم وتُقدَّر بحوالى 6 ملايين دولار شهريًّا.

- الأموال الحكومية: تمكن التنظيم من الاستيلاء على كميات من الأموال التي كانت موجودة في المصارف والمؤسسات الحكومية، بعد سيطرته على الموصل، والتي تُقدَّر بعشرات الملايين من الدولارات.

- عائدات الزراعة والغلال والحبوب.

المجلس العسكري:
ويعتبر من أهم مكونات التنظيم ويتكون عادة من "9 إلى 13" عضوًا، وقائده عادة ما يكون نائبًا لقائد التنظيم، وبنفس الوقت يكون وزيرًا للحرب وتوالى على قيادته أبو حمزة المهاجر، وسمير عبد محمد الخليفاوي والملقب بحجي بكر، ومن ثم عدنان إسماعيل البيلاوي الملقب بأبو عبد الرحمن البيلاوي، ومن ثم فاضل الحيالي الملقب بأبو مسلم التركماني، يتألف المجلس من هيئة أركان، وقوات اقتحام، وقوات تفخيخ، ويقسم المجلس إلى عدة قطاعات وكل قطاع يتكون من ثلاث كتائب وكل كتيبة تضم من 300 إلى 350 مقاتلًا، وتقسم الكتيبة إلى سرايا كل سرية تضم 50 إلى 60 مقاتلًا.

المجلس الأمني:
يُعتبر العمل الأمني في تنظيم الدولة كبقية التنظيمات الجهادية المشابه هو العمود الفقري للتنظيم من حيث خطورة المهام التي تلقى على عاتقه مقابل المتابعة الحثيثة له من أعتى أجهزة مخابرات العالم ولعل أهم هذه المهام حفظ الأمن داخل التنظيم على مختلف الأصعدة مثل الأمن الشخصي لأمير التنظيم ومتابعة تنفيذ قراراته ومراقبة عمل الأمراء في الولايات والقواطع والمدن وحماية التنظيم من الاختراق والإشراف على تنفيذ أحكام القضاء والإشراف على الوحدات الخاصة مثل الاستشهاديين والانغماسين ويقوم بتنسيق العمل بين مفاصل التنظيم ويشرف على تدريب وتنفيذ مفارز الاغتيالات السياسية والخطف وجمع الأموال، كما يقوم بالعمل الاستخباراتي خارج التنظيم من خلال اختراق التنظيمات المعادية وجمع المعلومات عنها.

التقسيم الإداري:
تُعتبر الولاية أكبر وحدة إدارية في تنظيم الدولة يتولى مسؤوليتها عدد من الأمراء، حتى نهاية عهد البغدادي بلغ عدد ولايات التنظيم ستة عشر ولاية نصفها في العراق والنصف الآخر في سورية، وتقسم الولاية إلى قواطع تضم المدن حسب تسميتها المعتمدة قبل سيطرة التنظيم وعلى سبيل المثال ولاية حلب تقسم إلى قاطعين "قاطع منبج" و "قاطع الباب" ويقود الولاية والي يعاونه مجموعة من الأمراء كالأمير العسكري والأمير الشرعي والأمير الأمني ويشرف الولاة ومعاونوهم على أمراء القواطع ومعاونيهم ويشرف هؤلاء بدورهم على أمراء المدن ومعاونيهم.

يتبع: الفصائل الجهادية في الثورة السورية: الهيكل التنظيمي