ثمة توجه واضح لدى أغلب المراقبين السياسيين مبني على أساس أنَّ الرد الإيراني على الضربة الإسرائيلية الأخيرة للقنصلية الإيرانية في دمشق، لن يکون مستعجلاً، وقد يتطلب سقفاً زمنياً أطول من المعتاد.

ومثلما يوصف صبر البدوي بالطويل بحيث يضرب به المثل (سألوا بدوياً بعد 40 عاماً على مقتل والده متى سيثأر له، فأجاب بأنه لا يزال يفکر!)، فإن الصبر الإيراني أيضاً طويل وملفت للنظر، بل إن المثل الفارسي المعروف "يذبح البعير بقطنة ويفتح نفقاً في الجبل بإبرة"، يشير إلى مثل هذا المعنى. ولا غرو في أنَّ الإيرانيين عامة ليسوا انفعاليين أو سريعي الغضب کالعراقيين بشکل خاص والعرب بشکل عام، بل هم يتأنون کثيراً ولا يتخذون قراراً مستعجلاً قد يندمون عليه.

إسرائيل، ولأکثر من مرة، استفزت النظام الإيراني المعروف بشعاراته ومواقفه المتشددة من الدولة العبرية، حتى وصلت إلى حد ضرب القنصلية الإيرانية في دمشق فقتلت محمد رضا زاهدي، قائد فيلق القدس في سوريا ولبنان، الذي وصفه خبر نقلته وکالة ميزان الناطقة باسم السلطة القضائية الايرانية عن "مجلس ائتلاف قوى الثورة الإسلامية" المحسوب على التيارات المتشددة، يوم الأربعاء الماضي، بأنه کان المخطط لطوفان الأقصى، لکن الملفت للنظر أنَّ ردود الفعل الإيرانية العملية وليست النظرية، بطيئة جداً إلى حد الملل.

الردود البطيئة والمملة والصبر الطويل في الرد على العمليات والهجمات الإسرائيلية الاستفزازية، والذي تصفه وسائل الإعلام الإيرانية نقلا عن القادة الإيرانيين بالصبر الاستراتيجي، لم تعد تقنع المراقبين والمحللين السياسيين، ولا سيما بعد ما حدث وجرى مع الرد على مقتل قاسم سليماني، والضجة السياسية والإعلامية غير العادية في طهران التي أعقبت ذلك، والذي جاء باهتاً ولم يتمکن أبداً من أن يكون في مستوى الضجة التي أثيرت حوله.

إقرأ أيضاً: سرطان ولاية الفقيه

لو وضعنا جانباً القدرات المتواضعة نسبياً للنظام الإيراني مقارنة بتلك التي تمتلکها إسرائيل، وصعوبة مواجهة طهران لتل أبيب، لا يمکن أبداً تصور أن القيمة والوزن الاعتباري لزاهدي ستکون أکبر من وجهة نظر النظام الإيراني من تلك التي كان يحظى بها قاسم سليماني. لذلك، فمن غير المعقول أن نتوقع رداً کبيراً أو غير عادي على مقتل زاهدي، ببمستوى تفجير الأوضاع وفتح الجبهات کلها في وجه إسرائيل. لکن وفي نفس الوقت، ولأن الکثير من الآراء ووجهات النظر والتحليلات في وسائل الإعلام الاقليمية والعالمية وعلى مستوى وسائل التواصل الاجتماعي ومن ضمنها إيرانية، سخرت ضمنياً من الردود الإيرانية على الهجمات والنشاطات الإسرائيلية ضد النظام، فإنَّ الأخير قد يسعى لرد أشد وطأة من رده ثأراً لسليماني، مع الأخذ بنظر الاعتبار احتمال افتعال تضخيم سياسي وإعلامي غير عادي له.

إقرأ أيضاً: قف إنه الموت!

الملاحظة التي يجب على النظام الإيراني الانتباه لها وأخذها بنظر الاعتبار، والتي يمکن اعتبارها أهم من التصورات المختلفة للرد على إسرائيل، هي أنَّ ضرب القنصلية الإيرانية في دمشق، وبقدر ما کان مؤلماً للنظام ولا سيما لخامنئي ذاته، فإنه کان مفرحاً لقطاع عريض من الشارع العربي، وهو أمر لا نختلقه بل لمسناه بکل وضوح، ويعتبر تجسيداً لواقع النظرة العربية المليئة بالسخط والغضب من الدور غير المريح لطهران في عموم المنطقة، ومن إحساس بأنَّ الهدف الأساسي لطهران لم يکن لحد الآن سوى الدول العربية وليس إسرائيل، خصوصاً أن الشارع العربي ممتعض أشد الامتعاض من استخدام طهران المفرط للأذرع العربية للانتقام والثأر لعناصر ورموز إيرانية، ناهيك عن أنَّ هذا الأمر قد جرى في خضم الحرب الدامية في غزة!