الرباط: التقت اليوم السبت مشاعر المغاربة والفرنسيين في ذكرى الأحداث الإرهابية الأليمة لربيع 2012 في مدينتي تولوز ومونيبان الفرنسيتين، والتي راح ضحيتها عسكريون فرنسيون من أصل مغاربي وأطفال يهود. وتم التعبير عن مشاعر الألم على أعلى مستوى في البلدين، من خلال رسالة وجهها العاهل المغربي الملك محمد السادس للمشاركين في حفل تأبين عماد بن زياتن أحد ضحايا هذه الأحداث في مدينة الفنيدق القريبة من تطوان ، وفي فرنسا من خلال كلمة وجهها الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لعائلات وأسر ضحايا المجازر التي ارتكبها محمد مراح، الذئب المنفرد الفرنسي من أصل جزائري الموالي لتنظيم القاعدة .

ووصف العاهل المغربي شعوره بهذه المناسبة بمزيج من "مشاعر الألم والأمل". وقال في رسالته "أما الألم، فيأتي في سياق استحضار فقدان أم وعائلة لابنها، وهو في ريعان شبابه ؛ حيث نشاطرهم اليوم، كما تقاسمنا معهم بالأمس، مشاعر الحزن لاغتيال إنسان بريء، خلال القيام بواجبه المهني والوطني.

وأما الأمل، فمبعثه الإجماع على رفض الإرهاب، وكذا المبادرات الإيجابية، التي انبثقت بعد هذا الحادث، وفي طليعتها، ما تقوم به والدة الفقيد السيدة لطيفة بن زياتن، من خلال الجمعية التي أسستها، لنشر ثقافة السلم والتسامح والعيش المشترك".

وقال العاهل المغربي ، في رسالته &التي وجهها للحفل التأبيني الذي نظمته جمعية "عماد للشباب والسلام"، وهي جمعية أسستها والدة الراحل وسخرتها لمواجهة التطرف وحماية الشباب من الوقوع في براثنه "إننا نستشعر مرارة فقدان أم لابنها، ونستحضر مكانته في قلبها. ولكننا في نفس الوقت، نقدر رد فعلها الرصين والحكيم، عقب هذا المصاب الأليم.فبدل أن تستسلم لمشاعر اليأس، وتخضع لنزوعات الغضب والكراهية، فقد برهنت السيدة لطيفة بن زياتن أنها مثال حي للصبر والتسامح".

وأضاف العاهل المغربي انها أبانت عن قدرتها، بكل عزم وتبصر، على تحويل الآلام إلى آمال، والحقد إلى محبة، والموت إلى رافعة للتمسك بالحياة.

وزاد قائلا " لقد استطاعت، بإرادة قوية، ووعي متميز، أن تبعث رسالة أمل وسلام، وأن تقول لدعاة الإرهاب، أنهم لن ينالوا منا، ومن عزيمتنا على العيش المشترك".

وقال العاهل المغربي " اننا نحيي فيها اعتزازها بالانتماء لوطنها المغرب، وتشبثها بمقدساته، حيث اختارت دفن فقيدها في أرض أجداده.كما نقدر اندماجها داخل المجتمع الفرنسي، كمواطنة مسؤولة، واحترامها للقيم والقوانين الفرنسية".

واشار الملك محمد السادس الى دور فعاليات المجتمع المدني في "توعية وتأطير الشباب، وتنويرهم بشأن مخاطر التطرف والانغلاق، ومواجهة الحملة التي تحاول تشويه صورة الإسلام، سواء من طرف الإرهابيين، أو من طرف أولئك الذين يستغلون العمليات الإرهابية، لاتهام الإسلام والمسلمين".&

وجاء في رسالته "إننا نعرف ما يعانيه المسلمون عموما، والمغاربة خصوصا، بالدول الغربية، بسبب الخلط الجائر والمرفوض، بين الإسلام والإرهاب، الذي يروج له البعض، عن جهل أحيانا، وعن طريق العمد، وبغرض الإساءة أحيانا أخرى". وأضاف "وخير وسيلة لمواجهة هذه الأفكار المتطرفة، والدفاع في نفس الوقت، عن براءة الإسلام وسماحته، من الاتهامات التي تلصق به ظلما وعدوانا، هي التشبث بقيمه العليا، وبالتقاليد المغربية الأصيلة، الداعية إلى المحبة والإخاء، والتعايش بين مختلف الشعوب والديانات"، منبها إلى أن "الإسلام بريء من الإرهاب، وأن الإرهابيين ليسوا مسلمين، ولا يربطهم بالإسلام، إلا تفسيرهم الخاطئ، لتبرير حماقاتهم".

ويجسد مراح استراتيجية "الجهاد الفردي" التي نظر لها بعض قياديي تنظيم القاعدة، والمستوحات من استراتيجية الذئاب المنفردة للتنظيمات اليمينية والعنصرية في أميركا، وتعتمد على التخفي والعمل الفردي بعيدا عن الارتباطات التنظيمية وإثارة الشك والشبهات.

ففي 11 مارس 2012 قُتل ضابط سلاح المظلات الفرنسي من أصل مغربي عماد بن زياتن برصاصة في الرأس بمدينة تولوز الفرنسية. لم يخطر ببال المحققين آنذاك أن الأمر يتعلق بجريمة إرهابية من تنفيذ ذئب منفرد من ذئاب القاعدة إسمه محمد مراح، وهو من أصل جزائري ، ولا يتجاوز عمره 23 سنة.

في ذلك اليوم كان عماد على موعد مع شخص يرغب في شراء دراجته النارية. كان عماد قد نشر إعلانا في إحدى الجرائد حول عزمه بيع دراجته لأنه سينتقل إلى موقع آخر في باريس.وأشار في إعلانه إلى صفته كضابط في الجيش الفرنسي. غير أن المشتري المزعوم لم يكن سوى محمد مراح، الذي اشتهر لاحقا بقاتل العسكر. وصل مراح إلى الموعد على متن دراجة نارية كبيرة، وكان يربط كاميرا حول بطنه لتسجيل العملية. وحمل مسدسا من نوع كولت 45 بكلتا يديه ليطلق النار على عماد. ووصف المحققون الحادث على أنه جريمة عادية وتصفية حسابات بين المهاجرين.

في 15 مارس أعاد مراح الكرة في مونيبان، على بعد 50 كيلومترا من تولوز. هاجم ثلاث مظليين بينما كانوا يسحبون النقود من صراف آلي، مكررا نفس الطريقة. كان يمتطي دراجته النارية ويربط كاميرا حول بطنه ويمسك مسدسه الكولت 45 بكلتا يديه ويصيح "الله أكبر". قتل في العملية ضابطين من أصل جزائري، أبيل شنوف &ومحمد غواد. عندها أدرك المحققون الفرنسيون أن الأمر يتعلق بعمل إرهابي، وربطوا هجوم مونتيبان بهجوم تولوز، إذ أن مراح استعمل نفس الخطة ونفس السلاح.

في 19 مارس قام مراح بهجوم ثالث، لكن هذه المرة في مدرسة يهودية، وقتل فيها رجلا عمره 30 سنة وطفليه، 6 سنوات و3 سنوات، وطفل رابع عمره 8 سنوات. عندها رفعت فرنسا درجة يقظة نظامها الأمني &إلى أعلى مستوى. وبعد ثلاثة أيام تم ضبط شقة مراح وقتل بعد حصار دام 32 ساعة.

وتزامنت هجومات مراح مع الإنتخابات الفرنسية، مغذية الخطاب السياسي لليمين الفرنسي الذي اتهم الدولة والأمن الفرنسي بالتقصير، خصوصا وان مراح كان مسجلا في ملفات مكافحة الإرهاب منذ 2007، وتزايد الإهتمام به ومراقبته منذ عودته من أفغانستان في نوفمبر 2011. ودخل مراح في سجلات الإرهاب كنموذج لاستراتيجية الذئاب المنفردة.