سعيد الحمد 

طوال تجربة جيلنا «جيل الستينات» مع المعارضة سنلاحظ ان احد اهم انشغالاتها كان تفكيك الدولة بما هي نظام كما تصورتها وكما فهمتها لم تستطع هذه المعارضة الفصل بين مفهوم الدولة بما هي مؤسسات رسمية وأهلية ومدنية وبما هي قاعدة تتسع للجميع وبين النظام بما هو نظام حكم.
هذا الخلط في ذهنية معارضتنا العربية طوال عقود سبعة أو ثمانية قادتها وخصوصًا مع ظاهرة ما سُمَّي بالربيع العربي لعب معول تفتيت الدولة العربية وتمزيقها بما سهل لمشروع الدويلات الطائفية والمذهبية ان يأخذ مساحات، وأن يحل محل الدولة العربية التي حافظت بوجودها على وحدة النسيج المجتمعي العربي، وبالنتيجة حافظت على الكيان العربي «بغض النظر عن كل المآخذ» من أن يؤول مصيره الى ما آل اليه منذ العام 2011، وهو عام كانت بدايته نذيرًا بنهاية الدولة العربية لحساب الدولة الطائفية او دولة الفئة المتمذهبة بمذهبها.
فداعش «إن كانت حقيقية» نتيجة لدولة الولي الفقيه وافراز خطير في الجهة المعاكسة لدولة طائفية كان مشروعها اكبر من حدودها واطماعها اوسع من احلامها.
والمعارضة العربية اختارت وللاسف الاصطفاف هنا او هناك مع او ضد، فهي إذا كانت ضد داعش فإنها مع دولة الولي الفقيه ومشروعها. بمعنى انها اختارت وانحازت لخيار اللا دولة حسب مفهومها العصري.
وإذا كان الخروج من العصر انتحارًا، فهو بذات الوقت نحر للدولة المدنية يبلغ ذروته التراجيدية حين تساهم وتساعد في النحر قوىً وفصائل نفترض فيها المدنية.
فعندما يبيع حزب يساري علماني مدني صحيفته «الاخبار» لحزب طائفي ولائي متمذهب «حزب الله اللبناني»، فهي ليست عملية بيع مادي ولكنها بيع مبادئ وصفقة تنازل مسكوت عنها في التخلي طوعًا عن صحيفة بشرت بالدولة المدنية والديمقراطية والعدالة والمساواة وبحقوق المرأة الى حزب يسير في اتجاه معاكس، بل ومضاد تمامًا لهذه المبادئ، فمن تنازل لمن، ومن ربح ومن خسر، ليست الاجابة لغزًا عصيًا.
سؤال شاخص ومنظور بقوة هل خسر حسني مبارك أم خسرت مصر مكاسب ما كان لتخسرها لولا تقويض اركان الدولة ومؤسساتها فتضاعف الخسران، وكأن مهمة الرئيس السيسي ترميم ما سببه هدم الدولة ومؤسساتها واستعادة ما كان لها من مكاسب، وكذلك مهمة الباجي قائد السبسي في تونس.
قيل هناك في تونس «ثورة الياسمين» فحمل هنا علي سلمان الوردة ليقوّض الدولة ويهدم مؤسساتها، ليس مهمًا أبدًا ماذا تحمل في يدك، المهم ماذا تحمل في فكرك.
وليس مهما الشعار والأقوال ولكنها المواقف والافعال، وقديمًا قالوا في درس البلاغة الأول «العبرة بالنتائج».
فما هي عبرة الربيع العربي الذي اخترتم الخريف نتائج له، فهذا خريف انتم صنعتموه وانتم زرعتموه لنا.
ثم الا تلاحظون كيف انسحبتم وخرجتم من مشهد ربيعكم غير المأسوف عليه تجرون أذيال الهزيمة، وتركتم لنا مهمة ترميم ما هدمتم واهدرتم!!؟؟
ما أسهل ان تهدم وما أصعب ان تبني، ليست حكمة ولكنها واقع وهي تجربة كل جيل، بل كل فرد، فأن تهدم لا تحتاج عقلًا ولكن ان تبني تحتاج عقولًا.
وفي المسافة ما بين نظرية الهدم ونظرية البناء يتجسد المعنى في الانتماء، والانتماء قوس مفتوح على المدى الوطني وليس مسيجًا بالطائفة او الفئوية.
مثالًا لا حصرًا، ذاكرة العراق ليست ذاكرة عصائب الحق والحشد الشيعي ولا داعش، ولكنها ذاكرة الجواهري ودجلة الخير أم البساتين، واسألوا التاريخ.
وذاكرة البحرين ليست شتائم ومشانق دوار العار ولكنها ذاكرة نهام تحشرج صوته وهو يعود فيعانق تراب الوطن فيصرخ «رجعت لك يا ضو عيني».!!