أحمد رحيم 

أكد مستشار جهاز أمني مصري لـ «الحياة»، أن «خطر العائدين من جبهات القتال يمثل التحدي الأمني الأبرز» في العام الجديد. وقال إن «تطويق هذا الخطر أولوية بالنسبة إلى الأجهزة الأمنية المختلفة في مصر».

وأضاف المستشار الذي شغل منصباً أمنياً معلوماتياً على مدى سنوات، أن «التقديرات تشير إلى أن منطقة الشرق الأوسط ستشهد في العام الجديد تغييرات جذرية، لجهة محاربة الإرهاب بلا هوادة»، موضحاً أن «القاهرة تعلم أن عدداً كبيراً من المصريين منخرط في جبهات القتال، خصوصاً في سورية وليبيا، وهؤلاء سيسعون إلى العودة في حال هُزمت فصائلهم في مناطق النزاعات».

وكان وزير الداخلية اللواء مجدي عبدالغفار ناقش قبل أيام مع مساعديه «تزايد احتمالات محاولة بعض العناصر الإرهابية المتطرفة التسلل إلى داخل البلاد»، مطالباً بوضع «خطط استباقية للتصدي لهذا التحدي الأمني».

وأوضح المستشار الأمني لـ «الحياة»، أن «المعضلة تكمن في أن كل الجبهات باتت مفتوحة على احتمالات التسلل، من الشرق ومن الجنوب والخطر الأكبر من الغرب»، لافتاً إلى أن «تفاهمات أمنية ساعدت إلى درجة كبيرة في تأمين الحدود الشرقية»، في إشارة على ما يبدو إلى اتفاقات مع حركة «حماس» الفلسطينية لضبط الحدود.

أما في ما يخص الحدود الجنوبية، فإن الشرطة تتولى جانباً مهماً مع الجيش في تأمينها، ومنع التسلل عبرها، إضافة إلى تنسيق رفيع في هذا الصدد مع السودان وتشاد. لكن «الحدود الغربية تمثل التحدي الأبرز بسبب امتدادها وانفلات الأوضاع في ليبيا، ويضطلع الجيش بالجهد الأكبر في تأمينها، بتعاون وثيق مع أهالي القبائل الغربية»، موضحاً أنه «كل فترة تتم زيادة الدعم العسكري للجبهة الغربية، وزيادة عدد الطلعات الجوية لتأمين الحدود ومراقبتها».

وقال إن «خطر العائدين من جبهات القتال في الخارج زاد أثره في شكل لافت في الشهور الماضية، إذ نُفذت هجمات إرهابية نوعية لا يمكن لأعضاء خلايا العنف الفردي أو ما عُرف بالذئاب المنفردة تنفيذها، إذ تتطلب قدرات تدريبية عالية ومهارات خاصة في تصنيع المتفجرات، لا يمكن اكتسابها في الداخل المصري».

وأضاف أن «مئات من الشباب المصري سافر إلى سورية وليبيا، خصوصاً في العام 2013، واستمر السفر بعد عزل (الرئيس السابق محمد) مرسي لبضعة شهور، وهؤلاء كانوا في الأساس من جماعات السلفية الجهادية، وأكدت المعلومات عودة بعضهم إلى مصر متسللين، فيما تم تسليم آخرين من سلطات الدول التي قاتلوا فيها».

وأشار إلى أن مصرياً كان يعمل صيدلياً في ألمانيا عاد إلى مصر في إجازة في العام 2013، ومكث في الإسكندرية حيث مسقط رأسه لفترة، «وفي تلك الأثناء جنده ابن عمه للانضمام إلى القتال في ليبيا، وبالفعل سافر إلى ليبيا وحارب هناك لشهور، ثم عاد لشن هجمات في مصر، وتم توقيفه في مدينة مرسى مطروح». وأضاف أن «هناك مجموعات كثيرة من المصريين الذين سعوا إلى القتال في ليبيا من خلال التسلل عبر الحدود، عاد كثير منهم من دون الالتحاق بأي معسكرات للقتال، بعد أن أوقفتهم السلطات وسلمتهم إلى مصر، لكن آخرين أفلتوا». وأضاف أن الموقوفين ضمن خلايا تنظيم «داعش» في الدلتا وفي الشمال وبقايا تنظيم «أجناد مصر» سافرت غالبيتهم إلى سورية، ونال كثير منهم دورات متطورة في مسألة «القنص»، مثل أحمد عبدالرحمن الذي قُتل في الشرقية بعد عودته من سورية، وشكل بمفرده «خلية إرهابية» لمهارته في عملية القنص، وقتل وحده 12 ضابطاً وجندياً.

وأضاف أن «قوات الأمن أوقفت قبل شهور 14 مصرياً في المنطقة الغربية كانوا سافروا إلى ليبيا والتقوا قيادات من داعش في مدينة سرت، وبايعوها وعادوا إلى مصر لتنفيذ هجمات وقُبض عليهم في مطروح… وتلقوا تعليمات بتنفيذ هجمات، ولم تضبط معهم أسلحة ولا متفجرات، لكن تم تدريبهم في شكل عالي المستوى على تصنيع المتفجرات. هؤلاء تم توقيفهم بناء على معلومة من الجيش الليبي الذي أوقف أحد أفراد الخلية في ليبيا».

وأوضح أن «مواجهة وجود داعش في مصر تنقسم إلى شقين، أولهما دحر مسلحي التنظيم في سيناء، وتلك مواجهة تعتبر حرباً اليد الطولى فيها للسلاح، أما الشق الثاني فيتعلق أساساً بمواجهة أمنية وقضائية لخلايا التنظيم الراغبة في أن تجد موطئ قدم لها في العمق المصري، وهؤلاء قوامهم الأساسي من العائدين من جبهات القتال في الخارج، لأنه ثبت أن كل الخلايا التي تم توقيفها تقريباً عمادها مصريون التحقوا بالقتال في الخارج».

وتنشغل الأجهزة الأمنية والخبراء بتحديد شكل العلاقة الممكنة بين تنظيم «داعش»، سواء في سيناء أو خارج مصر، وبين خلاياه الكامنة في العمق، وهو أمر تم تسليط الضوء عليه في أعقاب الهجوم الانتحاري الذي استهدف الكنيسة البطرسية هذا الشهر وقتل فيه 27 شخصاً غالبيتهم نساء وأطفال وتبناه «داعش»، وقالت القاهرة إن التنظيم نفذ التفجير بتنسيق مع جماعة «الإخوان المسلمين».

وقال لـ «الحياة» الخبير في شؤون الحركات الإسلامية في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» أحمد كامل البحيري، إن «المعلومات المتوافرة لا تؤكد وجود علاقة تنظيمية مباشرة بين داعش والإخوان، لكن العلاقة يمكن أن تكون موجودة عبر مصادر التجنيد والتسليح… كثير من المصريين الذين انضموا إلى فرع داعش في سيناء أو إلى التنظيم خارج مصر خرجوا من عباءة الإخوان».

وأضاف أن «الطرفين أيضاً يشتركان الآن في استخدام النهج نفسه في مواجهة السلطة، وهو العنف، لكن ربما الأساليب تختلف، وأخيراً يُمكن أن تمثل مصادر التسليح نقطة التقاء، وهو ما كُشف أخيراً بإعلان توقيف شحنة أسلحة في حوزة مهربين على علاقة بجماعة الإخوان كانت في طريقها من الدلتا إلى شمال سيناء، وبالتالي طبقاً للأجهزة الأمنية، فإن هناك اتصالاً على مستوى التسليح بين الإخوان وفرع داعش» في سيناء.

ورأى أن «النقلة النوعية التي شهدتها الهجمات الإرهابية في الشهور الماضية في المنطقة المركزية (القاهرة والدلتا) على صعيد طريقة التنفيذ والأهداف، تشير بالفعل إلى ضلوع عناصر عائدة من جبهات قتال تلقت تدريباً رفيعاً». وأضاف: «أصبحت لافتة النقلة النوعية في مهارات التنظيمات المتطرفة التي عُدت لفترة طويلة عشوائية. واعتقد أن منحى العمليات الإرهابية أصبح نوعياً بسبب اكتساب العناصر المؤثرة خبرات في جبهات القتال في الخارج نقلتها إلى التنظيمات داخل مصر، وليس انتقال التنظيمات بأفرادها إلى الداخل».

وقررت نيابة السويس أمس إحالة 10 أشخاص قالت إنهم على صلة بتنظيم «داعش» على محكمة الجنايات بتهم بينها «التخطيط لشن هجمات». ودلت التحقيقات على أن «الخلية خططت لاستهداف منشآت أمنية»، وأن واحداً من الموقوفين «سافر إلى سيناء وتلقى هناك تدريبات على تنفيذ هجمات».