علي سعد الموسى

في نهاية اليوم الطويل من جولتنا في مدينة جازان الاقتصادية قال لنا مسؤول القطاع الغربي في شركة أرامكو السعودية: هذا أكبر مشروع منفصل كوحدة مكتملة تبنيه أرامكو في كل تاريخها الإنشائي.


أجبته فورا: لو أنك قلت لنا هذه الجملة عند التاسعة صباحا في أول الزيارة لاختصرت علينا وعليكم بقية عشرات الأسئلة والأجوبة التي انشغلنا بتفاصيلها طوال اليوم. بالنسبة لي كان نهار الثلاثاء الماضي أول يوم في حياتي أشاهد فيه، وفي وطني مشروعا بهذا الحجم الهائل.
خرجت سعيدا لعدة أسباب أولها أن المشروع الضخم لم يشهد تقليصا وترشيدا في ظروفنا الاقتصادية الراهنة، ومثلما أكد المهندس سليمان البرقان فإن متوسط عدد العمال اليومي لشهر فبراير الماضي يفوق 60 ألف عامل، وهو رقم قياسي في تاريخ كل الإنشاءات الوطنية المختلفة. ثانيا، كان في رهان الإخوة المهندسين أن الرسم الهندسي في كل هذه التفاصيل المثيرة للخيال تم بأيد سعودية خالصة من مهندسي أرامكو، وأن هذا المشروع سيعمل بأيد سعودية تفوق 90% من القوة العاملة ليلة التشغيل بنهايات العام القادم ومثله العشرات، ترك المهندس عبدالعزيز الشافي أسرته ومكتبه على سفح جبل الظهران، لينتقل إلى المشاركة في بناء حلم وطني جديد: أعزب هنا يعمل من السابعة صباحا حتى الثامنة مع العشاء. 
لن أنسى جملة وهو يقول: جئنا هنا لنرسم خطا على الرمال وكل تاريخ الشركة يبدأ بخط على الرمل.
سأكون سعيدا وأنا أنقل لكم حديث مهندسي أرامكو عن أن حقل الشيبة الشعير، كمشروع سيكون ثانويا بجوار (أرامكو جازان) من حيث الاستثمار وحجم المنشأة وحداثة التقنية.
ما شاهدته مساء الثلاثاء الماضي يطمئنني على شاهد ناديت به طويلا عن ضرورة توزيع خارطة بناء التنمية على الجميع.
هنا نحن خلقنا الفارق في حياة عشرة آلاف أسرة ستعمل مباشرة في وظائف أرامكو لوحدها في مدينة جازان الاقتصادية، ناهيك عن البعد (الجيوسياسي) لمكان المشروع في ظروف منطقتنا الساخنة. 
بقي أن أشير إلى مداخلتي المسجلة عن المسؤولية الاجتماعية لأرامكو وهي تدخل بهذا الثقل والكثافة إلى المكان الهش الرخو في بنيته التحتية. وما من شك أن سكان (بيش) قد دفعوا ضريبة كبرى في تكلفة الاستهلاك والسكن وبقية تفاصيل يومهم مع هذا الجيش الجديد الذي يفوق عدد سكان تلك القرى الفقيرة بالصنفين. كيف سيتحمل مجتمع زراعي ريفي وطأة المنافسة مع القادم التقني الصناعي، قلت للإخوة بكل وضوح إنني لن أنسى ما عشت مصرع ثلاثة شباب في حادث سير لحفرة أحدثتها معدات الشركة الجبارة على طريق رديء لم يصمم لمثل هذه النقلة. تستطيع أمنا (أرامكو) أن تفعل لهذه القرى المتناثرة على بواباتها الجديدة بعض المبادرات، تماما مثلما فعلت طوال تاريخها مع عشرات القرى السابقة من الخفجي والجبيل حتى ينبع. أنا واثق أنها ستفعل لأن أرامكو كيان إنساني أكثر من كونها شركة زيت ونفط.