سالم الكتبي

 

تشير خطط وسياسات تركيا تجاه مدينة عفرين السورية إلى أخطاء فادحة ترتكبها أنقرة، فتركيا تتعامل مع العالم وفق منطق «إما معنا أو ضدنا» وتقسم المواقف الدولية إلى قسمين، حيث اعتبر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أن معارضة أي من الدول الكبرى العملية التي يشنها الجيش التركي في مدينة عفرين السورية، يعد بمثابة «اصطفاف إلى جانب الإرهابيين وليس إلى جانب دولة حليفة».

وقال جاويش إنه «في حال ذهاب فرنسا أو أي دولة أخرى إلى الأمم المتحدة، ستتعامل معها تركيا باعتبارها دولة وقفت مع تنظيم إرهابي ضدها»، وأضاف: «في مثل هذه الأوضاع لا ننتظر من فرنسا إلا الدعم، لا نريد لها أن تكون في صف تنظيم إرهابي». وقد جاء الغضب التركي على خلفية دعوة فرنسية لمناقشة التطورات الجارية في عفرين في مجلس الأمن الدولي!

الموضوعية تقتضي القول إن العملية التركية في عفرين هي تدخل عسكري صريح واعتداء على سيادة سوريا، وبالتالي فهي انتهاك للقانون والمواثيق والأعراف الدولية، وهذا الأمر واضح وصريح.

صحيح أن الأراضي السورية باتت مستباحة لميلشيات إيرانية وقوات أجنبية أخرى عدة، ولكن هذا لا يعني استكمال هذه الاستباحة من جانب تركيا أو غيرها من الدول.

الواضح أن هناك صراعا على تقسيم سوريا وتقاسم المصالح فيها بين القوى الإقليمية والدولية، فإيران شريكة تركيا في الاعتداء على سيادة سوريا منذ بداية الأزمة، تدعو تركيا الآن لإنهاء عمليتها العسكرية في عفرين، هي من أعطت ضوء أخضر لأنقرة وتبدي دعماً قوياً لهذه العملية التي تستهدف أكراد سوريا!

المضحك والمثير للسخرية في آن واحد أن الخارجية الإيرانية في تعليقها على عملية عفرين تطالب تركيا ب «ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية واحترام السيادة الوطنية لهذا البلد والامتناع عن تصعيد الأزمة الإنسانية والحفاظ على أرواح السوريين الأبرياء»!! لنا أن نتصور أن إيران التي يصول ويجول حرسها الثوري في المدن والأراضي السورية من دون رادع يتحدث عن «احترام السيادة الوطنية لسوريا»، والدور البناء للأطراف المعنية بالأزمة السورية!!

يغامر أردوغان بحدوث مواجهة عسكرية بين القوات التركية والقوات الأمريكية المتمركزة في مدينة «منبج» السورية التي يتوقع أن تشملها العملية العسكرية التركية، وقد تحدث عن ذلك مصدر عسكري أمريكي بقوله «إن القوات الأمريكية التي تقوم بدوريات مراقبة في منبج قد تكون معرضة للخطر إذ دخلت تركيا المدينة»، ولا اعتقد من جانبي أن الرئيس أردوغان مغامر لدرجة المجازفة بخوض مواجهة مباشرة مع القوات الأمريكية، فهو يدرك جيداً طبيعة الرئيس الحالي دونالد وترامب وردود أفعاله، التي لا يمكن توقعها في حال تعرض الجنود الأمريكيين في منبج لخطر على يد القوات التركية.

القوات الأمريكية تقدم الدعم لوحدات حماية الشعب الكردية التي تسيطر على عفرين ومنبج، والشواهد تؤكد أن مهمة القوات التركية في السيطرة على المدينتين ليست سهلة على الإطلاق، ففضلاً عن الطبيعة الجبلية الصعبة للمنطقة الحدودية، تواجه القوات التركية مقاومة شرسة من الأكراد المدعومين ليس فقط من القوات الأمريكية، بل أيضاً من مقاتلين أجانب تتحدث عنهم التقارير الإعلامية الغربية بكثافة، حيث أصبحت عفرين بيئة جاذبة لهؤلاء المقاتلين.

روسيا من جانب، والنظام السوري أيضاً، يطمعان في حدوث مواجهة بين القوات التركية والأمريكية، وينتظران استدراج أردوغان إلى مواجهة مع الحليف الأطلسي. لاسيما أن الرئيس التركي تحدث عن المضي في العملية حتى لو حدث صدام مع القوات الأمريكية.

وأغلب الظن أن التعزيزات العسكرية غير المسبوقة للجيش التركي في عفرين ربما تشير إلى أن العملية هناك قد تستغرق وقتاً، وأن المسألة لا تتعلق بعفرين ولا بقوات حماية الشعب الكردية فقط، بل ترتبط أساساً بمصالح تركيا ورغبتها في الهيمنة وتأكيد حصولها على نصيبها من «كعكة» تقاسم المصالح والنفوذ في سوريا مابعد التسوية الجارية في «سوتشي». وينظر المراقب باهتمام إلى الشكوك التي تخيم على نويا تركيا، فهناك من يخشى عودة «داعش» برداء مختلف في حال تسلمت تركيا السيطرة على شمال سوريا.

وهناك أهداف أخرى منها رغبة تركيا في وأد التفكير الأمريكي في التمركز في شمال سوريا وبناء قاعدة عسكرية بديلة لقاعدة «انجرليك» الأطلسية التركية، وهذا الهدف التركي يلقى ترحيباً روسيا التي تخشى بناء قاعدة عسكرية أمريكية دائمة في شمال سوريا لدى الأكراد، والتلميحات الأمريكية حول هذا الموضوع متواصلة وشبه مؤكدة.

ربما تسفر عملية عفرين عن معادلة جديدة للتحالفات الإقليمية والدولية، فإحساس تركيا بالأزمة والموقف الحرج استراتيجياً يجعلها تندفع بوتيرة متسارعة نحو تعزيز التحالف مع إيران وروسيا، فالنظام التركي يتحدث عن «وصول التهديد لأمن تركيا ووحدة أراضيها إلى العظم»، ولكن العملية أيضاً قد تكون فخ استراتيجي مزمن لتركيا، والأمر مرهون بتطور موقف الولايات المتحدة ورؤيتها للأمر وسيناريوهاتها المقبلة للأزمة السورية.

أياً كانت النتائج المتوقعة في عملية عفرين، ورغم الحملة التعبوية التي يشنها أرودغان وحزبه لضمان دعم الشعب التركي للعملية عبر إثارة مخاوفه، فإن العملية بحد ذاتها هي مغامرة عسكرية قد تنتهي إلى عواقب وخيمة لثاني قوة عسكرية في حلف الأطلسي!!