لا أحد يمكن له أن يجادل في القيم المرتبطة بالصوم خلال شهر رمضان، سواء أكانت تلك القيم موسومة بتأثيرات نفسية وروحية أو عضوية، إلا صاحب عقد ثقافية أحادية رافضة للتنوع، وممجدة للإقصاء، وكارهة للتعدد والتنوع الثقافي والعقائدي في هذا العالم الغريب والعجيب بتناقضاته غير السوية في كل شيء.

فإذا كان الصوم من العقائد الأساسية، ليس فقط عند المسلمين، بل لكل أتباع الديانات السماوية بحسب معتقدات كل عقيدة، فإنَّ الجانب المميز فيه يعجز اللسان عن وصفه، حيث يتغير كل شيء من عادات مرتبطة بالأعمال اليومية، مروراً بالوجبات الرمضانية، وانتهاء بسلسلة من الشعائر الدينية، كالصلاة، وقراءة كتاب الله، ناهيك عن ظهور بعض العادات والتطبع معها كالسهر، وتغيير الجلاليب والألبسة، والخشوع الذي يزداد عند البعض فقط في هذا الشهر الكريم؛ شهر عظيم عند خالق هذا الكون الفسيح!

إنَّ الصيام، مهما كانت درجة أهميته، لن يستقيم مع الهدف الأسمى من إقراره، بحيث يعد هذا الشهر فرصة للإحساس بالفقير، والجائع، والمحتاج، وفرصة للتوبة، والكف عن الكذب المسترسل في كل شيء، وفرصة للأخوة، ونكران الذات، وطلب العفو والمغفرة والرحمة من الله لمن هم فوق الأرض وتحت الأرض.

لكن أن يتحول الصيام إلى أرجوحة موسمية، يتسابق فيها الكل لتخزين الطعام، والتبذير فيه، والتباهي بالموائد المتنوعة، فهذا يعد مخالفاً تماماً للهدف من هذا الشهر الكريم.

الصيام ليس فقط وقف شهوتي البطن والفرج كما يروج له من قبل أهل الخرافة والبدع المتنوعة، بل هو صيام عن القطع مع الكذب، والغش، والمكر، والخداع، والجشع والطمع، بصفة دائمة لا موقتة، غير مرتبطة بتوقفات في أيام محددة دينياً.

فلا يعقل أن يستمر النفاق كقاعدة، وتجنح الأفكار والتفاسير، والتأويلات فقط نحو أشكال الصيام وطرق إقامة الصلاة، والفتاوى الغريبة التي تبدع خارج السياق وخارج منطق العقل السليم.

الصوم هو أن يكون الإنسان إنساناً مخلصاً للضمير أولاً، وصادقاً مع النفس ثانياً، وناكراً للذات ثالثاً، ومبتعداً عن الثقافة المتأصلة عند البعض، من خلال تكييف الحلال والحرام حسب الأهواء والمواقع والمناصب رابعاً. فالله لا نفاق معه، ولا صكوك الغفران تقبل بينه وبين مخلوقاته، فالله غني عن نفاق البشر وعن العالمين.

إقرأ أيضاً: الذكاء الاصطناعي والفجر الجديد

الصوم عن الأكل والشرب والاستمرار في نهب أمول الناس، أو استفزاز الضعفاء، أو الكذب في فترة الانتخابات، أو استغباء المساكين بالوعود الزائفة، أو تغيير الوجوه بين البلدان، والتعفف لكسب التعاطف والأصوات، أو تكديس الأموال في المنازل والبنوك خصوصاً في فترة الأزمات، أو استعباد العمال وطردهم بدون أدنى سبب، أو أو... يعدّ من صميم النفاق المشؤوم، الذي لن يجعل لا الصيام ولا من يصوم في طريق مستقيم مع الله وعباد الله، وطبيعة أوامر ونواهي الله.

فيا عقل تعقل وابتعد عن الخرافات، ويا عقل كف عن الجهل المصبوغ بالإيمان الزائف؛ الإيمان وما يوجد في القلب لا يقاس بالرياء، أو السب والشتم واحتقار الأفكار، بل يعلمه من خلق الجميع أي العظيم سبحانه وتعالى.

إذن، النفاق شيء والصوم شيء آخر، الصوم يقتضي أن تستمر في الاخلاص والتعفف والصدق مدى الحياة، والحفاظ على البيئة، والرفق بالحيوان، والإحسان لليتامى والمساكين، ودفع الضرائب والرأفة بالأجراء، وعدم احتقار أبناء جلدتك، والتواضع وحب الخير للجميع، والابتعاد ما استطعت عن الغضب والسب والنبش في أعراض الناس.

إقرأ أيضاً: التهديد النووي وبداية نهاية عهد الاطمئنان

أما النفاق، فهو أن تبقى تنتظر متى يظهر هلال شهر رمضان، لكي تصطنع أشياء لا تليق بغايات وفضل هذا الشهر، مرامي عظيمة عند الرحمن الرحيم في هذا الشهر الكريم.

فالصيام مقدس، نقي كنقاء المياه العذبة، أما النفاق فلا علاقة له بمرامي وأهداف وحكمة هذا الشهر الكريم.

رمضان كريم.