انتهى شهر الصوم، واطمأنّت قلوب وأرواح وأنفس جميعها موصولة بخيط واحد، رأينا تجلّياته الإنسانية والثقافية في برنامج «قلبي اطمأن» الذي تحوّل إلى قصص وبحث ميداني عن الإنسان في الدرجة الطبيعية تماماً؛ لحاجته إلى العطاء والرفق والحنوّ، وهذه ليست مفردات عاطفية بلاغية فقط، بل هي واقع بشري مكشوف الوجه واللغة والحياة.

يتجوّل «غيث» في الوطن العربي وفي العالم وهو يخفي وجهه، لكنه لا يخفي حقيقته، وحقيقة الدافع الذي جعل منه واضحاً تماماً وضوح الشمس على الرغم من غموضه البسيط غير المفتعل، وهو يتنقل من مكان لآخر وعلى ظهره حقيبة صغيرة لو أنه فتحها أمامنا لرأينا أنها، على نحو ما، مملوءة بالدموع.

«غيث» الإماراتي، أو قل الإنساني، ليس سائحاً ثرياً، ولا يبحث عن حكايات ومفاجآت، ولا هو حالة مادية، إعلانية، أو دعائية مشحونة بأيديولوجيا أو منفعة غائية، بل هو شاب عربي من هذا الوطن العربي الذي يعرف مصطلحاً غريباً هو «خط الفقر»، وهو «غيث» العربي الذي يتتبع هذا الخط بصوته الجهوري وغطاء رأسه الذي يُخفي وجهه، لكنه، لا يخفي روحه.

«غيث» العربي لا يُعَرِّي الأشجار من أغصانها، مادامت تماماً في خط الخريف، ولا يقتحم بيتاً مستوراً، ولا يتصدّق على عائلة كريمة، بل هو باحث عن حالة أو ظاهرة أو حقيقة لا يمكن تغطيتها بمنخل أو غربال.

لا نعرف من «غيث» هذا سوى صوته، وصورته المحدّدة في عين الكاميرا، ثم، وهو يلتقط إنساناً، امرأة أو رجلاً أو طفلاً على قارعة الفقر،. تشعر أنه التقط روحاً كانت على وشك الهلاك، وإذْ بالكائن البشري الذي أمامه، يبتسم، ويبكي، وفي اللحظة التي يطمئن فيها قلبه، تتساقط دموعه. تلك الدموع المتشابهة. الدموع المتماثلة في ملوحتها وحرارتها وفضّتها السائلة على الوجوه النحيلة الصغيرة.

«غيث» في «قلبي اطمأن» مواكبة أبوية أمومية لتراجيديا الإنسان الذي يتكثف في بكائه الشخصي على شكل لؤلؤة حزينة، ولكنه ليس مكسوراً ولا مهاناً، لأنه امتلأ أولاً بكبريائه الصغيرة، وكرامته الوحيدة.

ذلك هو المعنى الثقافي الجميل في هذه المادة التلفزيونية التي تحوّلت إلى وجدان، أو الأصح أنها تحوّلت إلى تأريخ بصري عفوي لروح الإنسان وهو يلتقي بمن يشبهه في الجوهر وفي الدم وفي الرئتين.

فكرة العطاء أكبر من فكرة الأخذ والسلب والاستحواذ، العطاء ثقافة، وقبل كل ذلك، هو شغف وفرح لا يعرفهما إلّا أحباب الله.