هل توجد عبارة أروع من «كل عام وأنتم بخير» لاستشراف مستقبل العالم العربي؟ الغريب أن الاستعمال المتكرر لأيّ أداة يؤدي إلى إفقادها مقوّمات وجودها. العبارات التي يتداولها الناس في الأعياد ويبدع فنانو الجرافيك في تصميم الملايين من بطاقاتها، لا علاقة لها بأيّ مضمون عقائدي للأمة الإسلامية أو لغيرها، فهي مجرّد تحية مثل «صباح الخير» و«مساء الخير» و«تصبحون على خير»، في كل اللغات والقارّات، وهذه لا تربطها رابطة بالديانات والمذاهب والأحزاب والإيديولوجيات والعادات والتقاليد والحضارات والثقافات، هي مجرّد أدوات بروتوكولية وإشارات وتأشيرات مرورية ضرورية أحياناً، هل تستطيع ألّا تقول لأبيك أو رئيسك في العمل أو ذوي العلاقة: صباح الخير أو كل عام وأنتم بخير؟ المسألة خطرة أحياناً، مثل عدم تناول الطعام في بيت إبراهيم الخليل.

لكن ثمة شعرة تشكّل فارقاً كبيراً. تحية الصباح والمساء تجري على ألسنة المليارات من البشر بكل اللغات، ولا تلزم فرداً أو مجتمعاً أو شعباً أو أمّةً بشيء لأنها ريشة في مهب رياح العادات وليس فيها تكليف أو مسؤولية، وإلاّ فما علاقة «صباح الخير» في حديقة «هاي بارك» في لندن، حين يتقاطع المارّون مع البط والحمام والسناجب، وبين تحيّة الصباح في الصين أو في الأرجنتين؟ لكن القضية تختلف عندما يتبادل مليارا مسلم التهنئات بعيد الفطر أو بعد وقفة عرفة بمناسبة عيد الأضحى. هذه هي المسألة. لا حاجة إلى الذهاب بعيداً: أكون أو لا أكون.

لا شك في أنك ستحتاج إلى لفيف من صفوة المؤرخين لكي تبرهن على أن المثالية التي ترومها من وراء تأويل المقصود لعبارة «كل عام وأنتم بخير»، تحققت في التاريخ الإسلامي في أحداث تجلت فيها منظومة ذات قوة وهوية ومكانة جيوسياسية جيوستراتيجية، ولكنك ستواجه معضلةً كوميديةً لاذعة السخرية وهي صعوبة جمع ذلك اللفيف في مكان واحد للعكوف على دراسة أسباب انعدام الجدوى بالرغم من الكثرة.

المسائل بسيطة، فلماذا نعقّدها؟ تخيّل أن تجتمع سبع وخمسون دولةً إسلاميةً تمثل ملياري مسلم، وأن تختار يوم عيد للإجابة عن سؤال شفّاف: ما الذي يجب عمله لكي نكون كل عام ونحن بخير؟

لزوم ما يلزم: النتيجة الإيجازيّة: المطلوب مؤتمر في سؤال.