ليست المرة الأولى التي يشبه ترامب نفسه بنيلسون مانديلا الزعيم الجنوب إفريقي الراحل في عام 2013، الذي قضى 27 عاماً من عمره في السجن، وتمكن من إنهاء نظام الفصل العنصري في بلاده، فقد سبق لترامب أن قارن نفسه بمانديلا، في أكثر من مناسبة، في إشارة لما يعتبره «اضطهاداً سياسياً» يتعرض له.

المفارقة المدهشة في تشبيه ترامب لنفسه بأنه «مانديلا العصر الحديث»، أنها تستدعي استحضار التاريخ، الذي لن يكون لصالحه على الإطلاق، إذ بينما كرّس مانديلا حياته لتحرير بلاده من نظام «الأبارتايد» وإقامة نظام ديمقراطي بديل تسوده العدالة والمساواة، وكسب احترام العالم كمناضل من أجل الحرية، يسعى ترامب للظهور بمظهر من يتعرض ل«الاضطهاد السياسي» لتوظيف هذه المقاربة في حملته الانتخابية. ولكن شتان ما بين مقاربة مانديلا ومقاربة ترامب اليميني الشعبوي، الذي وصل إلى سدة البيت الأبيض في عام 2016، ثم خسر السلطة في عام 2020، وها هو الآن يسعى لاستعادتها عبر خلط الأوراق وتشويه التاريخ.

فلم نسمع يوماً أن ترامب، الملياردير الجمهوري، قاد ثورة مدنية لصالح الفقراء أو عمل على إنهاء «التمييز العنصري» في المجتمع الأمريكي، على غرار ما حاول مارتن لوثر كينغ أو غيره من دعاة الديمقراطية والعدالة والمساواة. بل على النقيض من ذلك، فهو يؤمن بتفوق العرق الأبيض ويسعى لتكريس هذا التفوق لضمان الهيمنة الأمريكية على العالم.

المفارقة «المضحكة والمضللة»، كما وصفها زويليفيلي مانديلا حفيد الزعيم الجنوب إفريقي، هي أنه بينما كان مانديلا يواجه محاكمات بتهم النضال من أجل تحرير بلاده، يواجه ترامب محاكمات في عشرات التهم والقضايا الجنائية وخرق القوانين، من نوع دفع أموال بطريقة مخالفة للقانون إلى نجمة أفلام إباحية للتكتم على علاقة تقول إنها جمعتهما سوياً، ناهيك عن قضايا بشأن التلاعب بنتائج انتخابات عام 2020 والاحتفاظ بوثائق سرية والتحريض على اقتحام مبنى الكابيتول وغيرها.

وبالعودة إلى التاريخ، لن نذهب بعيداً في مقارنة غير موجودة في الأصل بين الرجلين، إذ كلاهما على طرفي نقيض، لكن جل ما يسعى إليه ترامب من وراء التشبه بزعيم تاريخي استثنائي، هو حشد الناخبين للوصول إلى السلطة. وهو لم يحاول التشبه فقط بمانديلا، بل سبق لترامب قبل أيام قليلة، أن نشر على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي رسماً يظهر فيه ما يمثل صورة السيد المسيح عيسى عليه السلام جالساً بجانبه في قاعة المحكمة كما لو أنّ الاثنين يحاكمان سوياً.

مشكلة ترامب أنه يسعى للعودة إلى السلطة بأي ثمن، وقد كان واضحاً في أحد تصريحاته حينما حذر من أن عدم فوزه بالانتخابات المقبلة سيقود إلى «حمام دم» في أمريكا، يعني «أنا ومن بعدي الطوفان». هذه «الأنا» ترسم تاريخاً مختلفاً لترامب لا علاقة له بمانديلا أو أي من رموز النضال العالمي.