المسلسلات التي تم ضخها عبر عشرات الشاشات ومنصات عرض الأفلام والمسلسلات وبرامج التسلية، والتي تابعها ملايين المشاهدين خلال أيام شهر رمضان، شهدت تحولاً كمياً ونوعياً في اتجاه كسر المألوف الذي اعتدنا عليه، وتكريس القصص والأفكار والمشاهد التي تتصادم مع الثوابت الاجتماعية والأخلاقية للمجتمع، بدعوى أننا وصلنا إلى درجة يرثى لها من الهشاشة الأخلاقية وذوبان الهوية واهتزاز منظومة القيم، لذلك فإن علينا، حسب هذه الدعاوى، أن نرحب بهذه المسلسلات لأنها اعتراف شجاع بواقعنا ومشاكلنا، كي لا ندفن رؤوسنا في الرمال!

والحقيقة فإن هذا الكلام بحاجة لوقفة، فبالرغم من أننا كعرب لدينا كغيرنا من مجتمعات العالم كل الظواهر التي تعالجها هذه المسلسلات: كالجريمة، والفساد، وانتشار المخدرات، وانحراف الأحداث والمراهقين، والتطرف الديني، والتخلف التقني، وأحزمة الفقر و.... إلخ، إلا أن هذا لا يعني أن هذا هو الواقع العام لمجتمعاتنا، وأن كل الشباب منحرفون وكل الموظفين فاسدون، وأن الكل فاسد وقاتل ومنحرف و... إلخ، إن تصدير فكرة المجتمع الفاسد فكرة خبيثة جداً، وخطيرة جداً، تحاول تسويق الفساد والجريمة والتطرف والتعصب والشذوذ، والنظر إليه بدون أي نوع من الحساسية أو الرفض، وصولاً لقبوله في نهاية الأمر!!

إن عدد المشاهد التي يبدو فيها أبطال المسلسلات وهم يقتلون ويتعاطون المخدرات ويدبرون الجرائم والمؤامرات، ويفجرون الأحياء، ويحرقون الناس والبيوت بدم بارد، ويختطفون الأطفال، ويغتصبون النساء... أمام أعين الناس وفي وضح النهار دون رادع ولا خوف، لا يعني سوى أمرين: إما أننا مجتمعات مارقة بلا سلطة ولا قانون، مجتمعات همجية وبشر مجرمون، أو تسويغ الفساد وتقديمه باعتباره أمراً مباحاً وسهلاً ويمكن ارتكابه ببساطة سعياً وراء النفوذ والمال والوجاهة كما تعرضه المسلسلات الفارغة إلا من المضامين المدمرة والخطيرة!

إن هذه المسلسلات وإن لم تظهر آثارها اليوم وغداً، فإن ما يترسب منها في أذهان ووعي الصغار والشباب تظهر نتائجه في القريب العاجل، وساعتها سنتمنى لو أننا منعنا عرضها وإنتاجها، ولم نسمع لمقولات حرية الإبداع، لأنها مقولات ينطبق عليها أنها الحق الذي يراد به باطل!