أثار انتباهي مؤخرا خبرٌ قرأته في احدى الصحف البريطانية ويتضمّن استبيانا طريفا للرأي أجراه أحد المصارف المالية العريقة في المملكة المتحدة شملت عينات عشوائية من الناس المترددين على المصرف من مختلفي الاعمار ومن مستويات ثقافية متعددة ( التعليم الاساسي حتى الشهادات العليا) إضافة الى مختلف الطبقات ( الفقيرة والمتوسطة والغنية ) وقد شمل الاستبيان أسئلة عن أماني المراجعين بشأن حب المال والطموح نحو الثراء ومخططاتهم المستقبلية للحصول على الثروات الهائلة وعدد الذين يطمحون الى الحصول على ألقاب المليونير والملياردير، وبعد اجراء الفرز الدقيق لهذه العيّنات أظهر هذا الاستبيان مايلي:
1) هناك فرد واحد فقط من كلّ خمسة وعشرين فردا شملهم الاستطلاع يطمح ان يكون مليونيرا .
2) أربعة أفراد من كلّ عشرة قالوا انهم يكتفون بالحصول على متطلباتهم واحتياجاتهم الاساسية في الحياة ولا يريدون المزيد .
3) نسبة 31 % من هذه العينات أجابوا أنهم لايخططون لا على المدى البعيد او القصير للحصول على الثروة، وجلّ همّهم الإيفاء بمتطلباتهم الآنية التي تستر حياتهم من العوز والفاقة، اما الثروة فلا تأتي الا بضربة حظ 
4) سبعة وعشرون بالمئة ممن شملهم الاستبيان فضّلوا العلم والمعرفة على المال والغنى .
استطلاع الرأي من خلال اعتماد اسلوب الاستبيان وأخذ عينات من المجتمع سواء كانت عشوائية او منتقاة مستندا على طرق احصائية علمية هي السبيل الأمثل والاصوب للوصول الى نتائج واستنتاجات قد تصل الى عمق الحقيقة او تلامسها على الاقل وهذا ما دأبت عليه العديد من المؤسسات الإعلامية المرموقة الكبرى والصحف التي تحترم قرّاءها بل وحتى الكثير من المؤسسات غير الإعلامية التي لها مساس بالناس والعملاء الذين يتواصلون معها، إنها بمثابة جسّ نبض القارئ او الشخص الذي تريد الجهة ان تعرف ما يجول في رأسه من أفكار وأماني وطموحات .
ما قرأته شيء يفرح الانسان حقا، فالمال وان كان الغطاء المصون لمالكه والخادم المطيع لسيده والجالب لاحتياجات الفرد والفِراش الوثير المريح لقابضه والسكن الرغيد لكنه ليس هو العزّ وحده، فطيلسان العلم والأدب أكثر سترا للمرء وأعظم هيبة من كلّ كنوز الدنيا مهما قيل في اهمية الثروة وسحرها الذي يخلب الألباب ولكن لايدرك هذه الحقيقة سوى السائرين في دروب المعرفة والذين يعرفون قيمة الجمال في لوحة فنية رائعة او قصيدة عصماء او سبك نثري يوغل في القلب والروح كمعين ماء رائق يسري في الجسد ليبثّ الحياة فيه ؛ او عمل نحتي يبهر الناظرين أو مقطع غنائي يطرب الآذان، ويحضرني رأيّ رائع لجبران خليل جبران يقول فيه: 
" خذ كلّ ماعندي من نفائس ومدخرات ولكن امنحني مسحة من الجمال تبهج قلبي وعيني وتثير أحاسيسي " .
فالفن هو عصارة الروح وخفقان الفؤاد وصفاء السريرة ومرأى العيون ونبع الوجدان ومسمع الانغام، أما العلم فهو رقيّ الانسان ومقياس تقدم الشعوب وبناء الأرض وإعمارها وتوسيع آفاق العقول وازدهار البشرية كي تعيش في نعيم الله الذي منح العقل مساحات شاسعة من التفكير النيّر الذي يضفي على الدنيا البهجة والسرور والشكر الدائم للخالق العظيم الذي حبانا العقل والعاطفة معاً لنسمو بالإنسان الى أعلى درجات النهوض فلنجعل المال وسيلة وسلّما للرقيّ والبناء والتحضّر وهو الغاية التي نريد .
قيل الكثير من الحكم والامثال في فضل العلم والادب وسموّه للنفس البشرية وتطهيرها من الجهالة والمطامع الآنية لكني لم أجد أكثر حكمة واتقانا وإصابة من قول لسيدنا علي بن ابي طالب حينما سُئل: أيهما أفضل المال أو العلم فأجاب:
" العلم أفضل من المال لأن العلم يحرسك ؛ أما المال فأنت تحرسه " .

[email protected]