وكأن العالم الإسلامي كان أعمى ثم أبصر فجأة.

نصف البرامج التي تبثها القنوات الفضائية العربية اليوم تنتقد التطرف الديني. الكوميدي والسياسي والديني وحتى العبثي، تفعل الشيء ذاته. فتحت الأدراج التي سكن العنكبوت داخلها، وأخرجت على عجل آيات التسامح مع الأديان الأخرى. من "لا إكراه في الدين" إلى "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم..". فجأة اصبحنا متسامحين. فجأة اصبحنا نحب الآخرين. فجأة أصبحنا دراويش لا نعرف كرها أو ضغينة. نسينا أننا بالأمس فقط، كنا نكفر من يخالفنا رأي ديني واحد، ونلعنه على المنابر وندعو عليه، ونطلق على رأسه ألف آية تبارك قتله. الف واربعمائة عام ونحن نحمل السيف والرمح ونتغزل بالطعن والقتال ضد اعداء الله، ثم نستيقظ ذات صباح فإذا أعداء الله حبايبنا، وأهل الذمة أهلنا لهم ما لنا وعليهم ما علينا.

لماذا تغيرنا فجأة؟

هل هو تبرؤ شديد من داعش؟ هل هو إرضاء للغرب؟ أم هي صحوة ذاتية بعد أن طفح الكيل؟

لا أعتقد أن الأمر له علاقة بصحوة ذاتية. ولا لأن الكيل قد طفح. فنحن نتعرض للتشدد الديني طوال تاريخنا دون أن يطفح الكيل. ولم تنج دولة عربية او اسلامية منه. مع هذا لم نستيقظ على خطر التطرف الذي رن جرسه أكثر من مرة، فأخرسناه. كم عدد من قتل في مصر على يد العائدون من افغانستان؟ كم عدد من قتل في السعودية على يد القاعدة؟ كم عدد من قتل في الجزائر واليمن والعراق؟ مع هذا لم نتحرك إلا عندما بدأ التطرف يضرب الغرب. قلنا لا، كفى، إلى هنا وكفى. ففتحنا الأدراج والكتب، واستبدلنا بقدرة قادر آيات التكفير بآيات التسامح. تطالع الصحف، فترى عناوينها البارزة تزخر بفعاليات ومؤتمرات التسامح الديني. تطالع برنامجا كوميديا، فتراه يتحدث عن التطرف ويتندر عليه. تسمع لداعية، فتنساب من شفتيه عبارات محبة لا تظاهيها قصائد نزار.

التطرف لا يقود الى خير. والتسامح عنصر مفقود لا بد ان يعود أو ينشأ من جديد. لكن يجب ان يأتي ذلك من قناعة داخلية، لا بحكم تأثيرات خارجية أو قرارات سياسية. نحن جيل تربى على الكره والعنف. والأمل في الأجيال القادمة. إذ حتى اللحظة، ما يزال الخطاب التصحيحي يتجه للجيل العتيق الذي ما عاد بأمره شيء ولا قادر على فعل شيء. جيل من الدراويش تحركه عصا الخوف أكثر مما تحركه قناعة داخلية. إن كنا صادقين، ومخلصين في نية الإصلاح الديني الذي تأخر، فيجب ان نبدأ مع الأطفال، مع الصغار، حتى لا يكبروا وجرثومة التشدد تكبر في عقولهم.