لم تعد غالبية الشعب العراقي تهتم بما يعصف بها من أزمات وفضائح، تعيش أحداثها كأنها مشاهد من برنامج الكاميرا الخفية، لكن بوجهها الحزين المبكي، إدراكاً منها أن الأزمة المستحدثة لن تكون الأخيرة، وأن أزماتها لن تنتهي.

أحدث صناعة في فن الأزمات هو القرار الحكومي الذي استيقظ عليه المواطن بزيادة أسعار البنزين ابتداءً من الأول من أيار (مايو) القادم، سبقها أحداث درامية تصلح لصنع أفلام هندية، لكن بنسختها العراقية، ولا يتجاوز المدى الزمني بين أحداثها بضعة أيام، تعامل معها الرأي العام كظواهر صوتية مثل حادثة الأكاديمي في جامعة البصرة والتسجيلات المصورة لأفعاله الخارجة عن الأدب والحياء مع إحدى طالبات الجامعة، تبعها الكشف عن شبكة ابتزاز يديرها ضباط كبار في وزارة الداخلية والدفاع.

الغريب في الجمهور المشاهد لهذه الأزمات أنه لم يعد يكترث أو يهتم لها أو لنتائجها، لتتحول هذه الظواهر إلى ثقافة يتأقلم معها الشعب.

عندما تتمعن في المشهد، ستفتقد دور صانع الرأي والمؤثر الذي كان يصنع رأياً أو موقفاً في المجتمع، ربما للشعور بالإحباط واليأس الذي بات يُخيم على فئات كثيرة من المجتمع، حيث الرأي الصائب لم يعد يهز شعرة في رأس الجماعات التي تصنع الأزمات، أو لأن الرأي أصبح أداة قتل قد تكون خنجراً في قلب صاحبه.

في الوقت ذاته، لم تعد السلطة تهتم بردود أفعال الجمهور ورأيه بتلك القرارات، لأنها تدرك أن الحديث والسرد وتوجيه الاتهام سرعان ما ينتهي بعد أن يأخذ وقتاً ليس بالكثير من السخرية والانتقاد والاستهزاء على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم ينتهي كل ذلك الحديث لينشغل الجمهور بأزمة أخرى.

الطاقة الحماسية التي يتمتع بها الجمهور في مباراة كرة قدم يخوضها الفريق العراقي، وانحياز حكم المباراة إلى الفريق الآخر، واشتعال التعليقات وردود الأفعال الغاضبة التي تسجلها المنصات، وأحاديث الغاضبين من على شاشات الفضائيات، تختلف درجاتها عندما يتعلق الأمر بقوت المواطن ومصدر رزقه.

في حدث يدعو للغرابة والريبة مما يشعر به الشعب، وقع العراقيون مؤخراً تحت ضغط القرار الحكومي برفع أسعار البنزين، مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النقل، يرافقه ارتفاع أسعار المواد الغذائية التي كانت سوطاً يُلهب جلود الفقراء بسبب ارتفاع أسعار الدولار مقابل الدينار العراقي، لتكتمل المصيبة برفع أسعار الوقود، وكأنها فرصة لابتزاز الشعب وترويضه على أساس نظرية بين أزمة وأخرى يقع الشعب في براثن أزمة جديدة تنسيه السابقات.

يبرر البعض ذلك القرار أنه من ضرورات صندوق النقد الدولي، الذي يتحكم بمقدرات ومصالح ومصائر الشعوب ومنها شعب العراق، الذي دأب على الاقتراض من ذلك الصندوق بالرغم من الإيرادات العالية التي تدخل إليه من واردات النفط وارتفاع أسعاره، في حقيقة لا يحجبها غربال أن الإنفاق أكبر من الإيرادات، بواقع يشير إلى عدم السيطرة على منافذ الفساد وأبواب الصرف غير المبرر من رواتب وامتيازات ومنافع تحصل عليها زعامات وشخصيات من موارد الدولة وأموال تهرب إلى دول مجاورة واقتصاديات لأحزاب بميزانيات أعلى من الدولة ذاتها، في لغز ما زال يُحير العقول، وهو لماذا هذا الاقتراض إذا كانت نتائجه معروفة سلفاً؟

فن الأزمة التي تعودنا على أحداثها في سنواتنا العِجاف أصبحت مألوفة، لا تعدو كونها مشهداً كوميدياً تنتظر الحكومة من خلاله ردود أفعال الجمهور، التي غالباً ما تنتهي بالتناسي والنسيان، وتدرك أن نهاية المشهد لن تكون سوى خاتمة لصورة ضَحك فيها المشاهدون وهم لا يدرون إن كان الضحك على أنفسهم أم على الموقف.