تشير تقديرات الدبلوماسيين الغربيين في بيروت إلى أن من الممكن تجنب معركة رفح من خلال اتفاق يقضي بخروج القادة العسكريين لحركتي حماس والجهاد الإسلامي والفصائل الأخرى، وتسليم السلطة في القطاع لحكومة برعاية دولية. مهمة الحكومة الجديدة ستكون تعزيز العمل الإنساني لتحويل غزة إلى منطقة خالية من السلاح. ومع ذلك، لم توافق حركة حماس على هذا الاتفاق بعد، وتعترض على فكرة إزالة السلاح.

والسؤال هو، هل سيزيد حزب الله من نشاطه العسكري لمواجهة التصعيد الإسرائيلي؟ هل سيتسبب توسيع الصراع بين حزب الله وإسرائيل في تحسين وضع حماس والفصائل في قطاع غزة، مما يمكنها من تجنب الهجوم على رفح؟

السؤالان دقيقان للغاية بسبب وجود وجهة نظر دبلوماسية عربية تعتبر أن من السذاجة القطع بأن حزب الله وإيران لن يستفيدا من تصاعد العنف من قبل إسرائيل لزيادة التوتر نحو حرب شاملة، من أجل تحقيق انتصار معنوي. يعتمد هذا التحليل على اتجاه المجتمع الدولي نحو ممارسة ضغوط إضافية على إسرائيل لوقف العمليات الكبرى في غزة، خوفاً من اندلاع حرب إقليمية كبيرة.

تم فتح الجبهة الجنوبية بقرار من حزب الله لدعم حماس، وربط كل شيء في لبنان بنهاية حرب غزة، مما أدى إلى إنشاء معادلة جديدة: لا يمكن العودة إلى الحالة السابقة في غزة بعد تشرين الأول (أكتوبر) 2023، ولا يمكن العودة إلى الحالة السابقة في الجنوب بعد ذاك التاريخ. هذا يكشف عن نقاط ضعف في استراتيجية "الردع المتبادل"، حيث يحمي الردع لبنان من الهجوم العدواني خوفًا من العواقب الجسيمة على الجبهة المحلية، ولكن ينهار الردع إذا قرر العدو أن ما يحققه في الحرب ضروري له مهما كانت الخسائر التي يتحملها.

هذا هو الوضع الراهن، حيث لا يمكن لـ"المقاومة الإسلامية" حماية لبنان من الدمار، بينما يمكنها أن تسبب دماراً كبيراً في إسرائيل. يجب على لبنان الامتثال لتنفيذ القرار 1701 بالكامل، مع وجود تهديد يعزز الردع لمنع تجاهل القرار، وذلك تحت حماية المجتمع الدولي. وإذا كانت الخسائر التي يتكبدها لبنان نتيجة لفتح الجبهة الجنوبية تعتبر تضحية يجب أن تتحملها "محور المقاومة" ومشروعه الإقليمي، فإنَّ حماية لبنان خارج نطاق التفاوض. ولكن النصر والقوة تكون بعون الله.
ما نحتاجه فعلاً ليس شعارات لامعة بل البحث عن الحقيقة من خلال التحقق من الوقائع، كما قال دينغ شياو بينغ، "عبور النهر ولكن بتجربة تلمس الصخور".

يواجه حزب الله حصاراً، وبالرغم من محاولته تجنب الاشتباك الكامل، قد يضطر في النهاية إلى الاشتباك. وبينما تتبع إسرائيل أفراد الجماعة وتطاردهم، قد لا تجد أي خيار آخر سوى الانتقام. وهذا سيكون كارثياً: فإسرائيل ستدمر بيروت وحزب الله سيدمر شمال إسرائيل.

على المستوى الإقليمي، نشهد تقارباً بين تركيا والمملكة العربية السعودية ومصر. زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مصر في شباط (فبراير) للمرة الأولى منذ أكثر من عشر سنوات، وأجرى اتصالات مع الرياض بشأن غزة. في الوقت نفسه، أصبح إبراهيم رئيسي في تشرين الثاني (نوفمبر) أول رئيس إيراني يزور المملكة العربية السعودية منذ أكثر من 10 سنوات، حيث التقى بولي العهد الأمير محمد بن سلمان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال قمة منظمة التعاون الإسلامي في جدة.

يدرك الجميع أهمية التعاون في مواجهة الكوارث في غزة. بالرغم من عدم الثقة بين الدول الإقليمية، هناك حاجة ملحة للتعاون من أجل التصدي للخطر المحدق الذي يهدد الجميع والذي ينبغي مواجهته بسبب وجود غزة في المنطقة. لا تُرغب دول المنطقة في توسع نطاق الحرب إلى لبنان.

نحتاج إلى مستودع مؤقت في لبنان. كان من المتوقع أن تقوم قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان بإنشاء هذا المستودع، لكن اليوم تبين أن هذا غير كافٍ. يُمكن لتركيا أن تلعب دوراً في هذا الأمر، حيث أن اليونيفيل لديها وحدة تركية بالفعل. يُمكن أن تكون هذه البداية لتعزيز التعاون العسكري بين لبنان وتركيا. والحضور العسكري التركي المتزايد قد يوفر مخرجاً جيداً للطرفين، حزب الله وإسرائيل. إذ لن تهاجم إسرائيل دولة عضوة في حلف شمال الأطلسي، وتريد تركيا التأكد من أن حزب الله يحتفظ بأسلحته في المستودع.

من ناحية أخرى، قد تسعى تركيا إلى طلب تعويض مقابل حماية لبنان وبالتالي حماية حزب الله من التدمير الكامل. يمكن أن تؤدي الحرب إلى نهاية سياسية للحزب، مما يتسبب في تداعيات خطيرة في المنطقة. قد تسعى تركيا للحصول على تنازلات بشأن سوريا من إيران، بهدف إضعاف بشار الأسد وجعل سوريا آمنة لعودة اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا.

إقرأ أيضاً: الشباب اللبناني بين الطموح والتحديات

تقارير إعلامية تشير إلى أن هناك نية في المملكة العربية السعودية لعقد مؤتمر يجمع بين الرئيس الأسد والمعارضة بهدف التوصل إلى وضع دستور جديد لسوريا. إذا نجح الإيرانيون في تشجيع الأسد على الموافقة على تسوية ودستور جديد، فسيكون هذا انتصارًا دبلوماسيًا للسعودية وفرصة لتعزيز العلاقات بينها وبين تركيا.
بسبب أنه سيكون له تأثير هام على الدول المحيطة.

في الوقت الحاضر، تعتبر قيود قدرة إسرائيل على العمل في لبنان مرحب بها. حكومة بنيامين نتنياهو، التي تسيطر عليها الفئات المتطرفة، أصبحت عبئًا وإزعاجًا للولايات المتحدة. يمكن أن تسهل منطقة عازلة فعالة على التعامل مع نتنياهو وحلفائه اليمينيين المتطرفين. وقد تسهل عمل المبعوث الأميركي الخاص عاموس هوكشتاين في ترسيم الحدود الجنوبية للبنان مع إسرائيل وضمان احترام قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 دون اللجوء إلى الحرب. من المتوقع أن يعارض حزب الله بشدة وجود تركيا في جنوب لبنان، لكنه قد يقرر استقبال القوات التركية بسبب الضغوط الكبيرة التي يواجهها.

إقرأ أيضاً: ليلة القبض على مجوهرات إسماعيل هنية!

يعتبر إقناع حزب الله بالانسحاب من الجنوب مهمة صعبة، لذا ربما يكون الحل الأمثل هو السماح لهم بالإبقاء على أسلحته في المخازن. التواجد التركي يمكن أن يكون عاملاً مهماً، فتركيا ستعمل أيضًا على منع إسرائيل من القيام بأي عمليات في لبنان، والقوات التركية قد تساعد في ضمان احترام القرارات الدولية. من جانب آخر، يجب على لبنان أن يكون لديه حكومة فعالة للتوصل إلى اتفاق مع تركيا، حيث يجب اختيار رئيس وتشكيل حكومة جديدة تحظى بالقبول الدولي.

يبقى أن حزب الله يدعم سليمان فرنجية لمنصب رئاسة الجمهورية الشاغر في لبنان، وقد تضطر إيران للضغط لتأييد وصول رئيس توافقي. طهران تسعى لتجنب الحرب وتترك شؤون لبنان لحزب الله، لكنها قد تضطر إلى التدخل في حال تعرض أمنها للتهديد. في المجمل، إقامة تواجد تركي في لبنان يمكن أن يكون ضروريًا لتجنب الهجمات، وبالتالي خلق منطقة آمنة لمنع التصعيد غير المرغوب فيه.