كانت كل الأنظمة التي حكمت إيران خلال القرون القليلة الماضية دكتاتورية بدرجات متفاوتة، وحرمت الشعب الإيراني من حقوقه الأساسية! وخاصة الدكتاتورية الملكية البهلوية، ودكتاتورية ولاية الفقيه. والجدير بالذكر أن إحداهما وصلت إلى السلطة بانقلاب في عام 1921، ووصلت الأخرى إلى السلطة بالشعبوية الإسلامية في عام 1979. ولم تحظى أي من هاتين الدكتاتوريتين بقبول الشعب الإيراني، وانتفض الشعب والمنظمات الشعبية للنضال ضدهما بطرق مختلفة.

بالرغم من أن تبعية وولاء الدكتاتورية البهلوية للأجانب ووحشية دكتاتورية ولاية الفقيه وادعاءها "الألوهية" هي من السمات الرئيسية لهذين النوعين من الدكتاتورية، إلا أن القاسم المشترك بينهما هو حب السلطة وقمع الشعب.

وجهان لعملة واحدة!
إن حقيقة أن "خصائص نظام ما داخل وخارج حدوده الإقليمية وجهان لعملة واحدة" هي مبدأ أساسي في فهم الحكومات. وبناءً على ذلك، يمكن القول إن نظام ولاية الفقيه الحاكم في إيران ليس "صديقاً" لأي شعب أو بلد. لأنه هو العدو الأول للشعب الإيراني، وحيثما سنحت له الفرصة، ينقضّ كحيوان وحشي، يعضّ ويمزّق، ويعيش على دماء الآخرين. وهذه هي نتيجة تجربة العيش تحت حكم ولاية الفقيه على مدى 45 عاماً.

إن نظام ولاية الفقيه يتحدث كحيوان عن الإنسانية والإسلام والحضارة والدين وحقوق الإنسان والديمقراطية والجنسية. فبينما تخصّ هذه العبارات المجتمع الإنساني، نجد أن هذا النظام لا يتوانى عن ارتكاب أيّة جريمة، داخل وخارج حدود إيران في آن واحد، من أجل توسيع نفوذه وبقائه!

منذ بداية وصول نظام ولاية الفقيه إلى السلطة وحتى اليوم، كان قمع الناس والاعتقال والتعذيب والإعدام وقتل المعارضين من السمات البارزة لهذا النظام. وإلى جانب مثل هذه الجرائم داخل الحدود، كان هذا النظام الفاشي ولا يزال يتدخل في شؤون المجتمعات والدول، ويصدر الإرهاب، ويشن الحروب على المعارضين الإيرانيين وغير الإيرانيين، وهذا هو الوجه الثاني للنظام، حيث يمارس الخداع تحت اسم "الإسلام". بينما الإسلام دين الرحمة والتسامح والتعايش السلمي والسلام والحرية ويرفض أي "إكراه"!

درس من التاريخ!
إن ما وضع النظام المناهض للشعب الحاكم في إيران على رأس الأنظمة الدكتاتورية هو أن نظام ولاية الفقيه الحاكم، بالإضافة إلى الخداع تحت اسم الإسلام، يسعى دائمًا إلى إشعال الحروب خارج حدود إيران لإخفاء "حربه ضد الشعب داخل البلاد" والتغطية عليها. ولهذا السبب نرى كيف مهَّد خميني، منذ بداية وصوله إلى السلطة لحرب العراق، ثمّ وصف حربه العدوانية بـ"الدفاع المقدس" واستمرّ في ذلك رافعاً شعار "فتح القدس عبر كربلاء". وهي حرب لم تنتهِ أبداً بـ"السلام" فحسب، بل خدعت حكومة العراق آنذاك بالغوغائية وشجعتها على غزو الكويت، من أجل إسقاطها بأيدي الآخرين!

ويتذكر الجميع أن خميني ونظامه قبلوا قرار الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار رقم 598 عام 1988 لتجنب الإطاحة به ونظامه على أيدي "جيش التحرير الوطني الإيراني". ولكن في عام 1991، خدع رئيس جمهورية الملالي آنذاك، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، العراق، ومهد الطريق لقوة القدس الإرهابية التابعة لقوات حرس نظام الملالي، لغزو العراق! ولو لم يكن "جيش التحرير الوطني الإيراني" متواجداً في المنطقة الحدودية الوسطى لابتلع النظام الإيراني العراق في العام نفسه. خاصةً وأنّه قبل هذا التاريخ، بدعوى دعمه لغزو العراق للكويت، كان قد نزع من حكومة العراق "قدرتها الجوية". إن المأساة في هذه العملية هي أنّ مسار تحرير إيران والعراق والمنطقة من الأصولية الإسلامية كان متاحًا تمامًا، وكان مفتاح فتح "الأبواب المغلقة" موجودًا في أيدي حاملي لواء النضال ضد ولاية الفقيه، من خلال الوقوف في وجه "سياسة المهادنة مع الديكتاتورية الدينية في إيران".

دخل العراق "عصره المظلم" عندما اتجهت الحكومة العراقية السابقة نحو "جنوب العراق" معتمدةً على دكتاتورية ولاية الفقيه. حيث أدى ذلك إلى تمكين عدو العراق اللدود، أي الدكتاتورية الحاكمة في إيران، من تمهيد الأرض لتوسيع نفوذها تدريجيًا باستخدام أساليبها الخاصة، ثم افترست العراق في الخطوة التالية، بالتواطؤ مع هجوم دول التحالف!

نعم، إنّ الوضع الحالي في العراق والنمو المتزايد للقوات التي تعمل بالوكالة للنظام الإيراني في الشرق الأوسط هما النتيجة المباشرة للسياسة الناعمة والسلمية تجاه النظام الديني الحاكم في إيران، وأدى هذا الخطأ السياسي - الاستراتيجي من جانب دول المنطقة والعالم إلى الوضع الحالي الذي تعاني منه البشرية المعاصرة.

إنَّ السياسة والاستراتيجية الخاطئة هي التي مكَّنت النظام الديني في إيران من تأجيل سقوطه، من خلال إثارة الحروب خارج حدود إيران، مما أدى إلى مقتل عدد كبير من الأبرياء في هذه المنطقة من العالم. بدءًا من فلسطين وغزة وصولاً إلى لبنان وسوريا والعراق واليمن، وحتى بعض الدول الأخرى من قبيل أوكرانيا، أو الدول البعيدة التي تعرضت كل منها بطريقة ما لهجمات إرهابية وأصولية إسلامية.

الكلمة الأخيرة
إن التجارب والإنجازات التي تحققت خلال العقود الأربعة أو الخمسة الأخيرة تملي علينا عدم السماح للدكتاتورية الدينية الحاكمة في إيران بشن حروب خارج حدود إيران؛ نظراً لأنّ المعركة الحقيقية مع هذا النظام الدكتاتوري تجري داخل حدود إيران، ويمثلها مقاومة منظمة قوية يمكنها تغيير "الزمن" بسرعة لصالح الشعب الإيراني وإسقاط الدكتاتورية داخل إيران. بمعنى آخر، يمكن القول إن المخرج الوحيد من الوضع الحالي في المنطقة هو الوقوف إلى جانب الشعب الإيراني ومقاومته لمواصلة الحرب الرئيسية ضد النظام الإيراني الفاشي داخل حدود إيران!