في الوقت الذي تتصاعد فيه المطالبة برد مزلزل انتقاماً لمقتل کبار قادتهم المیدانیین، تتراوح المواقف الصادرة عن قادة النظام الإيراني منذ اندلاع الحرب الدامية في غزة ما بين تصريحات متشددة تطلق بأسلوب عمومي تغلب عليه الضبابية إلى درجة يفهم منه أنها لا تقصد حالة أو وضعاً محدداً بذاته، وبين تصريحات يطغى عليها الرفق واللين، وتدعو إلى العمل من أجل وقف إطلاق النار وعدم السماح للحرب بأن تتوسع. لکن الذي يجب ملاحظته هنا أن التغيير الذي يطرأ على المواقف الصادرة عن النظام الإيراني إنما يأتي في ضوء الحذر من الذهاب بموقف النظام من هذه الحرب في طريق لا يمکن العودة منه بسلام. من هنا، يجب ألا ننسى أبداً أن القادة والمسؤولين في إيران يتقنون التمثيل، وهم عندما يعلنون أو يتجهون لأمر، فإنهم وفي مجالسهم الخاصة يخططون لأمر يختلف عنه تماماً.

كل من يصدق أن النظام الإيراني عندما يقوم بنوع من التصعيد في الحرب الدائرة في غزة، فإنه يبتغي من وراء ذلك المواجهة والدخول في هذه الحرب، فإنه إما لديه نقص في المعلومات بخصوص هذا النظام، أو أنه قد وقع فعلاً تحت تأثير المناورات السياسية والإعلامية التي تسعى إلى خلق أجواء توحي بأن المواجهة أو الحرب إذا ما وقعت في المنطقة فإن الجميع سيتضررون، وستقع كارثة لا تحمد عقباها. ولكن الحقيقة التي يجب على من يتابع الأوضاع المتعلقة بالنظام الإيراني وخصوصاً في ما يرتبط بالتورط في الحرب في غزة والمطالب المترتبة عنها، أن يلم بها تتلخص بما يلي:

أولاً: النظام الإيراني لا يريد توسعة الحرب، ويتجنب ذلك عندما يجد أنها تحتم عليه أن يصبح طرفاً فيها، ومهما ذهبت بعيداً التحليلات والتوقعات بهذا الصدد، فإن كل الدلائل تشير إلى أن النظام ليس في وضع يسمح له بالدخول في حرب قد تنقلب عليه وبالاً. ومسار الأحداث بعد مرور ستة أشهر علی حرب غزة یثبت أن خامنئي حاول بکل ما یملك من قوی تجنب أن تنال نار الحرب من نظامه المتأزم.

ثانياً: النظام يعلم أنه في حالة دخوله الحرب، حتى لو كانت لفترة قصيرة، لن يكون بإمكانه أن يعالج الدمار المترتب عنها، خصوصاً في ظل العقوبات الأميركية التي ما زالت قائمة، وهو ما يعني وضع النظام في فوهة مدفع الغضب الشعبي الإيراني العارم، ولذلك، فهو يجد نفسه مضطراً إلى عدم الدخول في الحرب مهما كلف الأمر.

ثالثاً: الأجهزة الأمنية الإيرانية تعلم، بعد الانتفاضات الثلاثة الأخيرة، أن هناك أنشطة مناهضة للنظام تعمل على أساس حرب العصابات من قبل شبکات داخلية يتم توجيهها على الأغلب من قبل منظمة مجاهدي خلق، وفي حالة وقوع الحرب فإنها، وحسب تصوره، سوف تتحرك وتخلق أوضاعاً وأجواءً لن يتمكن النظام من السيطرة عليها في أجواء الحرب، وهو أمر قد يقلب الطاولة رأساً على عقب في إيران، خصوصاً إذا ما علمنا أنَّ الأجهزة الأمنية في وضعها الحالي، لا سيما بعد أدائها المتعثر في التصدي للاحتجاجات الأخيرة في أيلول (سبتمبر) 2022، لن تتمكن من لجم هذه الشبکات أو السيطرة عليها، وكما هو معروف عن النظام الإيراني، فإنَّ قادته، وكما أعلنوا مراراً وتكراراً، على إستعداد لتقديم التنازلات للأطراف الخارجية، ولكن لا حل أو سبيل لهم مع الرفض الداخلي سوى استخدام العنف والقمع المفرط.