شكلت زيارة رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني الأخيرة للعاصمة الروسية موسكو، ولقاءاته مع كبار المسؤولين الروس، نقطة تحول في سياق العودة لإحياء تقاليد مدرسة الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني، مؤسس الحزب وزعيمه التاريخي، والذي لطالما كان مضرب مثل لرجل الدولة والسياسي المحنك الذي يجيد قراءة المشهدين الدولي والإقليمي بحذاقة، ويتحرك بدقة وبعد نظر وسط حقول الألغام العراقية والإقليمية، وفق معايير سياسية رصينة تتوخى التوازن ومخاطبة لغة المصالح المشتركة، وعدم وضع البيض في سلة واحدة، وإجادة المناورة واللعب على التناقضات وتوظيفها لصالح قضية شعبه الكردي والعراقي عامة.

فطالباني الابن يشرع، وخاصة بعد انتخابه رئيساً للحزب في مؤتمره الخامس الأخير، في تبني سياسة واسعة الأفق تتسق مع دور الحزب ومكانته كردستانياً وعراقياً ودولياً، كقوة ديمقراطية رئيسية في هذا الجزء المضطرب من العالم.

لا شك أنَّ زيارة موسكو والحال هذه، وفي ظل التحولات والتغيرات الدراماتيكية التي يشهدها العالم وتوازن قواه الكبرى، مؤشر على أن الزعيم الكردي الشاب، يدفع نحو ضمان مكانة لائقة لبلاده وشعبه تحت شمس هذه التحولات، في منطقة لطالما شكلت قلب العالم، ومحور صراعات النفوذ والسيطرة بين مختلف الأقطاب والقوى الدولية المتنافسة.

وهو يسعى لتطوير العلاقات مع الأقطاب الصاعدة مجدداً كروسيا والصين، وعدم الاكتفاء بالعلاقات المتينة التي يملكها مع دول المحور الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.

فالحزب الذي يشكل رقماً صعباً في المعادلات العراقية والإقليمية، وتمكن من حصد المركز الأول على صعيد القوى الكردستانية خلال انتخابات مجالس المحافظات العراقية الأخيرة، عبر مثل هذه المبادرات الدبلوماسية الجريئة والطموحة، يسير نحو استعادة دوره الريادي في قيادة إقليم كردستان والعراق عامة، والذي شهد تراجعاً مع مرض مام جلال طالباني في 2012 ورحيله في 2017، تاركاً فراغاً كبيراً لم تتوقف انعكاساته السلبية على الحزب والإقليم فقط، بل طالت الاستقرار والتوازن السياسي في العراق ككل.