هل صاحب العقل يشقى في النّعيم حقًا كما قال المتنبي، فيكون الإدراك نقمة لا نعمة؟

الإدراك في مفهومه هو ما نجريه من عمليات بغية أن نفهم من هم حولنا بكلّ بساطة ودون أيّ تعقيد. وبالتالي يمكن القول إنّه الطريقة التي بها نفهم الإدراكات الحسية والمعلومات في سبيل أن يكوّن الواحد منّا تجربته الشخصيّة.

إنّ الإدراك يشتمل على عمليّات ومنها التعرّف على الأنماط والأشياء، وخوض عمليّات التفسير والتحليل والتفكير فيمن هم حولنا من النّاس، ويدخل في إطار ذلك ما نراكمه من خبرات سابقة وتوقعاتنا والسياق الذي نرى أو نجد أنفسنا فيه. فهو إذًا عمليّة يوظّف فيها التفكير، والانتباه والتذكّر والتفسير والتحليل والتصوّر بما فيها أيضًا مدى القدرة في فهم واستخدام اللّغة.

وبما يتعلّق بتفسير ما هو حولنا، ويحيط بنا، فإنّ الإدراك يدخل في هذا الشأن ولا ينفصل عنه أيضًا، وبالتالي فهذا له عمل عكسيّ؛ لأنّ عوامل عدّة تؤثّر في الإدراك، أو حتّى يصل الإنسان إليه، لهذا السبب يتفاوت بين شخص وآخر بتفاوت تلك العوامل التي يمكن تلخصيها بالخبرة السابقة لدى الفرد، حيث تؤدّي الخبرات دورها في الإدراك فيتمّ تفسير الأحداث وفقًا لتلك الخبرة، وكذلك عامل التوقعات والافتراضات التي نسبغها على العالم من حولنا، ومن ذلك أيضًا السياق أو الظروف التي تحيط بالفرد وببيئته فهي التي تشكّل جزءًا من إدراكه ونظرته للأمور التي يراها ويعايشها.

فماذا إذًا: هل الإدراك نعمة أم نقمة؟

الحقيقة، لا يوجد جواب لأيّ شيء يمكن أن نعيشه أو نجرّبه أو نصنعه أو نتملكه بأنّه نعمة أم نقمة بصورة قطعيّة، لذلك نستطيع القول إنَّ الإدراك في أماكن غير مساعدة لاحتضانه قد يكون سلبيًا على صاحبه، وذلك أيضًا يختلف وفق البيئة والعوامل الأخرى فإن كان الإدراك محاطًا بعوامل صحيحة وسليمة فبذلك يناصر صاحبه ويعلو به، وإن كانت العوامل عكس ذلك ففي الإدراك نقص، وذلك أمر سلبيّ حتمًا سيوقع صاحبه في المشاكل. وغالبًا في حياتنا يكون الإدراك شقاءً، لكن لا ننفي أنّه سلاح المرء في الحياة ليعرف كيف يتعامل مع الحياة بظروفها شتّى، فيتعلّم ويعلّم، ويدرك الأشياء من حوله إدراكًا سليمًا.