نقلت وسائل الإعلام عن ضابط إسرائيلي قوله إن "الشبان الذين قتلتهم مسيّرة في خان يونس لم يكونوا مسلّحين". وأضافت نقلاً عن الضابط نفسه أن "الشبان الأربعة... لم يعرّضوا القوات الإسرائيلية للخطر في المنطقة التي كانوا يسيرون فيها". وكانت مشاهد بثت تظهر قيام مسيّرة إسرائيلية باستهداف مدنيين فلسطينيين بمنطقة السكة في خان يونس جنوبي قطاع غزة بداية شباط (فبراير) الماضي.

بعد قرار محكمة العدل الدوليّة ونِداءات الأمين العامّ للأمم المتحدة، لا تزال إسرائيل ترتكِبُ جرائمَها البشِعة في حقّ المواطنين المَدنيّين الأبرياء العُزّل في غزة، وقد أَبانت عن تحدّيها لكُلّ العالم، بالاستمرار في استِهدافِها للمواطنين العُزّل بإطلاق نيرانِ أسلحتِها عليهم بَرّاً وجوّاً، وجيشُها يعلَم علم اليقين أنّه يَقصِد قَتَلَ المَدنيّين في غزة، يَقتُل بالعمْد أُناساً لا يحمِلون سلاحاً، ولا يُشكِّلون أيَّ تهديد عليْه، مُواطنون يَتفَقَّدون منازِلَهم المُدَمَّرة، ومنهم مَنْ يَتَّجه نحو أماكِن إنزال المُساعَدات للحصول على ما يسُدّون به رَمَقَهم مِن فُتاتِ ما تَجودُ به بعض الدول، فَيَجِدون أنفُسَهم هدَفاً لِمُسَيَّرات الجيش الإسرائيلي التي تَتَرصَّد أثَرَهم كيْ تُؤديَ بِحياتِهم دون مُراعاةٍ لأيَّة أخلاقٍ إنسانيَّة، جيشٌ همجيٌّ وحشيٌّ لا توجَد في قاموسه معنىً للسلوكيات الخُلُقيَّة الآدميَّة.

فلقد أطلق "المجتمع الدوليّ" العنان لإسرائيل لإبادة شعب غزة دون هَوادة، يَتفرَّج في مَجازِر تُرتَكبُ في حقّ الإنسان الفلسطينيّ دون أن يُحرِّكَ ساكِناً من أجل وَقْف نزيفٍ يوميٍّ تشمئِزُّ له نُفوس كلّ مَن في قلبهِ ذَرَّةٌ من الإنسانيَّة.

لِماذا تكذب علينا الولايات المُتّحدة والدول الغربيّة عند تبَجُّحها بالديمُقراطية والحرية وحقوق الإنسان؟ هذه الدول بعيدة كلّ البُعد عن الحقوق الإتسانيّة، فَصمْتُها الرهيب وسُكونِها وعدم اهتمامِها بِما تقوم به إسرائيل في غزة من إبادة جماعيّة لِبني البشَر من تقتيل مُمنْهَج للأطفال والنساء والعجزة والأطقُم الطبيّة والمُسعِفين والصّحَفيّين وأفراد منظمة المطبخ المركزي العالمي الخيرية الأبرياء، يُبرهن على أنّ هذه الدول تَعتَبِر الفلسطينيّين غير مُنتَمين للعُنصُر البشريّ، أوْ تعتَبِرهم في الدرجة الدّنيا من سُلَّم بني الإنسان أو تعتبِرهم أُناساً لا يستَحقّون الحياة وليْسوا أهْلاً لها وإبادتهم أفضَل من بَقائِهم على قيْد الحياة. إنّ هذه الدول لا تُدخِل في خانَة "الأَناسي" إلّا أُناس شُعوبها الذين يستحقّون الحياة والعيش الرّغيد وعليْهم يُطبَّقُ مفهوم الإنسانيّة، أمّا سِواهم فهم مُتطفِّلون على هذه الأرض وليس لهم مَوطِئ قَدمٍ فيها.

بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، التي أودت بحياة ما يُقارب ثلاثة آلاف شخصٍ جرّاء الهجمات التي استهدفت البرجين ومبنى البنتاغون، شمّرت أميركا على ساعد الجدّ في مُحاربة ما أسْمَتهُ "إرهاباً" في كلّ مكان في العالم، وها هي أميركا اليوْم تَدعَم "الإرهاب الإسرائيليّ" بجميع الوسائل العسكريّة في قطاع غزة. فإذا خلًّفت هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2977 شخصاً فإنّ الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل اليوم في غزة قد أودت بحياة أكثر من 32 ألف شهيدٍ وأكثر من 75 ألفَ جريحٍ في الشهر السادس للحرب على الأبرياء.

السؤال المَطروح هو: لِماذا كانت أميركا تَتَّهمُ القاعِدة بِـ"الإرهاب" وتَتَقفّى أثر زَعيمَيْها أسامة بن لادن وأيْمن الظّواهري إلى أن اغتَالَتْهُما، واليوْم تَقوم بِدَعم الإرهاب في غزة؟

قال تعالى: «أتأمرون النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ، أَفَلَا تَعْقِلُونَ"...